الأحد، 5 سبتمبر 2010

مفاتيح خاصة ج1

إهداء ...

إلى روح أمي الغالية ...

إلى صديقاتي رفيقات عمري ...

إلى كل إنسان يستطيع أن يرسم البسمة على وجه أخيه الإنسان ..

كل منا يملك مفاتيح .. لا حقيبة لإمرأة دون مفاتيح .. و لا محفظة لرجل دون مفاتيح .. بالطبع لا أقصد تلك المفاتيح التي هي سر خزينتك ... أو تلك التي تخص باب غرفتك أو حتى سيارتك .. لكني أعني مفاتيح آخرى .. هنا ستجد مفاتيح أعمق و أنفع .. مفاتيح خاصة !

الفصل الأول :

حشد كبير من الشباب و الفتيات تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة عشر و أوائل العشرينات و ضوضاء شديدة تصدر من أحاديثهم المختلفة ؛ وقفوا يتبادلون أطراف الحديث عن مواضيع شتى بتلك الساحة الواسعة التي تقع أمام مجمع الكليات بجامعة الإسكندرية ، ارتسمت مشاعر شتى على وجوههم ما بين سعادة لبدء عام دراسي جديد من إسبوع مضى لكنها بالطبع ليست سعادة ناتجة عن فرحهم بالدراسة بل فرحة ناتجة عن رؤيتهم لبعضهم البعض ؛ و بين مشاعر آخرى من الضيق و التبرم لمتطلبات الأساتذة الجامعيين الكثيرة و التي تؤكد لك عجزك و عدم قدرتك البشرية على مجرد الاستيعاب و كأنك شخصاً جاهل لم تدرس من قبل بالمدارس الحكومية ، و بكافيتريا كلية الآداب تلك الكلية الجميلة التي تخرج فيها طه حسين و تخرج منها أنيس منصور ؛ التي يلتحق بها البعض على أمل أن يكون واحداً من هؤلاء العظام ، لكن دوام الحال من المحال حيث أصبحت الكلية شيئاً آخر .

زفرت أميرة أنفاسها بقوة تعبر عن ضيقها الشديد واضعة بعض أكواب الكوكا و الساندويتشات على تلك الطاولة التي توسطت الكافيتريا ثم جلست قائلة بعصبيتها المضحكة و لكنتها الأجنبية بالرغم من كونها مصرية إبنة مصري :

_ سيتامبوسيبل " مستحيل بالفرنسية " بجد كدة أوفر " كتير بالإنجليزية " خلاص زهقت و الله .

فنظرت لها سالي ضاحكة بينما ردت نهلة في هدوء :

_ و إيه الجديد يا مرمر ، ما مصر كلها زهقانة .

_ لا مانا مش زهقانة من الأسعار اللي حتولع فينا كمان شوية و لا من زحمة المواصلات و لا من الفاكهة المتهرمنة ، أنا زهقت من الدكاترة خلاص ، مش عارفة بس إيه اللي دخلنا قسم الإنجليش ده ؟!

ضحكت نهلة واضعة إصبعاً فوق فمها ثم قالت لها بصوت خافت :

_ بس هش حاسبي لأحسن الحكومة تسمعك .

ضحكت سالي بينما أطرقت أميرة رأسها خجلاً فابتسمت سالي بخبث لأنها تدرك مغزى حديث نهلة فتساءلت بخبث واضح :

_ صحيح مش ناوية تكلمي حد من الحكومة النهاردة يا مرمر قصدي الشرطة يعني ؟

ضحكت نهلة بينما وقفت أميرة برشاقتها المعتادة قائلة في غيظ مفتعل :

_ و الله لأتكلم و أغيظكوا ، إشبعوا بالأكل لوحدكم و أنا حروح أكلم محمد .

و سارت بعيداً عنهما بخفة لتحدث خطيبها و إبن عمها الذي يعمل ظابط بالشرطة غير عابئة بنظرات الشباب إليها التي اعتادت عليها لجمالها الهاديء الملائكي الذي يشعرك بالورع و التقوى خاصة في جلبابها الفضفاض و حجابها الرقيق ، بينما ضحكت سالي قائلة لنهلة :

_ يلا ناكل .

ابتسمت نهلة وقالت :

_ يلا عشان لو استنينا حنقعد سنة .

و أثناء تناول الطعام تصاعدت أغنية حديثة صاخبة فقالت نهلة :

_ نفسي أسمع حاجة قديمة بدل الوش ده .

فأجابتها سالي :

_ و أنا كمان ، عايزة أسمع فيروز .

ابتسمت نهلة ثم قالت كمن تذكر شيئاً لتوه :

_ على فكرة يا سالي عايزين نبيض المحاضرات و نقسمهم بينا عشان نديهم لنهى .

_ أوكي يا نهلة ، صحيح مفيش أخبار عن مامتها ؟

_ رجعوا امبارح من المستشفى و مامتها حتكمل علاجها ف البيت .

_ ربنا يشفيها يا رب ، بصراحة نهى تعبت معاها أوي بس يا رب يجي بفايدة .

_ يا رب .

و فجأة تصاعدت أغنية أعطني الناي لفيروز فسعدت سالي كثيرا بينما شردت نهلة تتأمل أميرة و همساتها بهاتفها الخلوي بايتسامة هادئة متأملة .

وقفت نهى أمام خزانة ملابسها لتخرج ملابسها الصيفية و تستبدلها بملابسها الشتوية شاعرة بكم من اليأس و الحزن لم تشعر به من قبل ؛ و تعجبت من ذلك الشعور الذي انتبابها فجأة بأنه لا فائدة من وضع ملابس الشتاء بخزانتها لأنها عن قريب ستستبدلهم بملابس حداد سوداء حيث مرضت والدتها من قبل كثيراً ؛ لكن هذه المرة غير كل مرة ، و بالرغم من طاقة الأمل و ابتسامتها التي توزعها على كل ممن حولها يومياً منذ مرضت والدتها أي من شهر تقريباً إلا انها تسمح لنفسها أحياناً بالبكاء في غرفتها أو شرفتها داعية الله أن يريح والدتها من المرض و الألم إما بالشفاء أو الوفاة ، نعم الوفاة ! فهي يمكن أن تتحمل فراق أمها لكنها لايمكن أن تتحمل أبداً ألمها و عذابها ، و فجأة أفاقت من شرودها على جرس الهاتف فأسرعت لترد ممسكة بيديها بعض الثياب التي قامت بتحضريها لتأخذ حماماً دافئاً قبل النوم و اتجهت إلى التليفون مارة بالصالة التي تنام والدتها على أرضها حيث أنها لا تستطيع النوم إلا على الأراض و بات نوم الفراش مستحيلاً ، رفعتنهى سماعة الهاتف لتجد صوت نهلة الحنون :

_ نهى .. إزيك عاملة إيه ؟

_ الحمد لله يا نهلة و إنتي ؟

_ تمام يا حبيبتي ، مامتك عاملة إيه ؟

_ الحمد لله

لم ترتح نهلة لرنة صوت صديقتها فسألتها بحنان :

_ مالك يا نهى ؟ هي لسة تعبانة ؟

أمسكت جميلة دموعها و قالت بصبر :

_ حاسة إن دي النهاية يا نهلة مش عارفة ليه ؟ !

_ حرام عليكِ يا شيخة تقولي حاجة من دي ، إن شاء الله حتكون كويسة و الله .

_ إن شاء الله .

_ جاية بكرة ؟

_ آه بس مش حقعد كتير ، حاخد المحاضرات منكم و أمشي .

_ إن شاء الله .

أنهت نهى المكالمة فنظرت لساعة الحائط فوجدتها الحادية عشر و النصف فوقفت مسرعة تجاه الحمام حتى تنهيه بسرعة لتنام و لتستطيع الاستيقاظ باكراً ، و عند مرورها بالصالة مرة آخرى وجدت أمها جالسة فعرفت أنها لا تستطيع أن تنام فسألتها :

_ أحضرلك جلسة نفس صناعي ؟

فأومأت أمها برأسها رفضاً فزمت نهى شفتيها و أحضرت بعض الماء لأمها و ناولتها إياه ثم أمسكت بكوب المياه و قدح اللبن الذي تناولته أمها لتوها و اتجهت إلى المطيخ لتضعهم ثم دلفت إلى الحمام لتأخذ حمامها .

بعد نصف ساعة قضتها نهى بالحمام شاردة بأفكارها سمعت صوتاً كصوت أبيها يلومها على تأخرها على أمها ، هي واثقة أن ذلك من وحي الخيال لأن أبيها نائما يتناول أرزا بلبن مع الملائكة ، و أخيها بالطابق الأعلى بمنزلهم برفقة إبنه و زوجته ، إذن هذا من وحي خيالها فقط ، لكنها قررت أن تخرج من الحمام فارتدت ملابسها على عجل و لا تعرف سر خوفها ، و خرجت بسرعة لتسير باتجاه الصالة حيث وجدت أمها نائمة كالملاك فحمدت الله أنه رزق أمها أخيراَ بعض النوم ، لكن أمها لا تستطيع أن تنام على ظهرها لأنها بذلك لن تستطيع أن تتنفس إذن فكيف هي نائمة هكذا بمنتهى البساطة ؟ ! اقتربت جميلة قليلا من جسد أمها فوجدت عينيها مرفوعتان لأعلى تحدقان في اللا شيء أو إلى اتجاه الحمام حيث كانت جميلة منذ قليل ، انحنت قليلا لأسفل و نادت بصوت خافت تحول إلى صرخة :

_ ماما .. ماما .. مــــــــــــــــــــامــــــــــــــــا

فاستيقظ والدها متسائلاً :

_ في إيه يا نهى ؟

فقالت بألم و صرخة مكتومة :

_ ماما .. ماما ماتت يا بابا ... ماما ماتت يا بابا .....

يتبع بالفصل الثاني

تحب تشرب شاي ؟ ج13

وقفت نهاد بمطبخ شقتها لتعد وجبة الغداء شاردة حزينة ؛ فهي لا تستطيع أن تنسى ما حدث لها من أحداث مؤرقة في الآونة الأخيرة ؛ تشعر بالظلم و الأسى و هي لا ذنب لها ؛ و حينما تتذكرة نظرة سيف إليها بآخر لقاء لهما تشعر بغصة شديدة في حلقها ، و رغما عنها ذرفت دموعاً حارة ألهبت وجنتيها و لتغرق في أحزانها مرة آخرى و حينما أفاقت من حزنها سمعت جرس الباب يرن فمسحت دموعها و غسلت وجهها الذي لم تؤثر فيه قطرات المياه لتخفي آثار حزنها فظلت عينيها حمروان ، و اتجهت إلى الباب و حينما فتحته سقط قلبها في قدميها حيث كان القادم سيف نفسه ، لم تستطع أن تتحدث لهول المفاجأة فنظر لها و إلى عينيها برفق و قال :

_ أيمكنني أن أتحدث معكِ قليلاً ؟

_ أنا بمفردي بالمنزل .

_ أعلم ؛ فنسرين ليست هنا

_ نسرين ؟ كيف عرفت إسم أختي ؟

_ أنا منتظرك بنفس المكان الذي تقابلنا فيه لأول مرة .

و انصرف دون أن يعرف حتى جوابها .

دلفت نسرين إلى ذلك المكان العشوائي و تلك الحارة الضيقة بثقة و ثبات غير عابئة بكلمات الغزل التي تتلقاها ، أو نظرات هؤلاء النسوة اللائي يجلسن عند أبواب بيوتهن يتجاذبن أطراف الحديث ، أو حتى معاكسات الأطفال الشقية لها ، و اتجهت إلى تلك القهوة التي تعج بالعديد من الناس وسألت صبي القهوة عن مكان ياسر فأشار لها عن محله الذي يعمل به فشكرته ثم اتجهت حيث أشار لها .

و قبل أن تدلف إلى المحل إذا به يخرج فصطدم بها و تتلاقى أعينهم فينظر لها باحتقار و تنظر له بقوة من سيحتقره بعد قليل غير عابئة بنظراته و قالت له :

_ لماذا فعلت ذلك ؟

_ لصدمتي فيكِ .

_ و ماذا عن كذبك عليّ ؟

صمت قليلاً ثم قال لها :

_ أعترف أنني كذبت عليكِ و لأغراض خبيثة أيضاً ، لكنني ندمت بعدها و قررت أن أمضي بحياتي شخصاً آخر نادماً على ما فعلت و هذا لأنني .. أحببتك بحق .

على الرغم من غضبها الشديد منه إلا أنها لا تنكر أن كلماته أثرت عليها فقالت له :

_ إسمعني جيداً .. بدايةً لم أكذب عليك في شيء و تركتك حينما تيقنت أنني لا أحبك و عرفت حقيقتك بعدها و لم أندم على معرفتي بك بقدر حزني عليك و على أحوالك ، شعرت تجاهك بالشفقة و سامحتك لكنك لم تعر ذلك اهتماماً فانتقمت مني شر انتقام حينما جرحت مشاعر أختي أمام خطيبها ، فرقت بين إثنين لا ذنب لهما في شيء سوى أن إحداهما هي أختي .

تعجب ياسر كثيرا من الصدمة التي تلقاها فصمت قليلاً ثم قال لها بمنتهى الجدية :

_ نسرين .. أسف العالم لن يكفي ليمحو ما حدث ، لقد أخطأت في حقك كثيراً ، لكن صدقيني فعلت ذلك لأنني أحببتك و لم أستطع تقبل فكرة أنكِ تعرفين كل يوم رجلاً ، لم أظن أبداً أنها أختك .

_ لا يهم ، ما حدث قد حدث ، المهم الآن أن تعدني ألا تتدخل بشؤن حياتي مرة آخرى أو حياة من يقربني .

_ صدقيني ، لن أفعل ذلك مرة آخرى و أرجوكِ سامحيني .

_ سامحتك بشرط ألا تخدع أحد مرة آخرى .

_ صدقيني .. لقد صرت شخصاً آخر و أعمل الآن بالنهار في ذلك المحل ، و أعمل ليلاً بالفندق الذي حدث فيه ما حدث .

_ أتمنى لك كل التوفيق .

و انصرفت بهدوء على وعد منه بألا يتعرض لها مرة آخرى ، حامدة الله على ما حدث حيث كان درساً هاماً لها .

نظرت نهاد إلى سيف متعجبة بتلك الكافيتريا التي تقابلا فيها من قبل و قالت له :

_ ماذا تريد مني ؟

_ لماذا لم تخبريني بأمر نسرين من قبل ؟

صمتت قليلاً ثم قالت له :

_ و كيف عرفت بأمرها ؟

_ لقد أتت إلي اليوم صباحاً و أخبرتني بكل شيء ، و عرفت بأمر سوء التفاهم الذي حدث .

_ لكن كيف عرفت هي ذلك ؟

_ لقد أخبرتها ريم بكل شيء و أخبرتها أنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً لأنك قطعتِ وعداً منها .

صمتت نهاد فقطع سيف صمتها قائلاً :

_ أنا آسف يا نهاد ، آه لو تعرفي عذابي بالأيام السابقة .

لم تجبه فهي لا تعرف بما تجيبه فقال لها :

_ أحبك .

انعقد لسانها من هول المفاجأة فقال لها :

_ نعم ؛ منذ اليوم الأول الذي رأيتك فيه و أنا أحبك ، احترت كثيراَ حينما لم تأتِ موعدنا مرةً آخرى ، و حينما وجدت بشركتي حمدت الله و صممت على أن تكوني لي ، كنت أراقبك كثيراً دون أن تدري حتى جاء اليوم الذي سألتك فيه عن موعدنا الثاني و لقاءنا الأول ، و بالرغم من أن كلامك لم يكن مقنعاً إلا أنني قبلته لأنني أحبك ، حتى قررت أن أتزوجك و ما زلت مصمماً على ذلك . هل تقبلينني زوجاً لك ِ .

لا تعرف ماذا تقول ؟ يا إلهي لقد عوضتني أخيراً بالشخص الذي أحببته ، لا أستطيع تحمل فرحة قلبي يا ربي فقالت له بفرحة كبيرة :

_ موافقة يا حبيبي .

فابتسم لها مربتاً على يديها برفق فسعدت كثيراً لكنها تذكرت شيئاً هاماً فقالت له :

_ أخبرني ما هي قصة نادية الشربيني ؟

قهقه بصوت عالِ و قال :

_ هل تغارين يا جميلتي ؟

احمرت نهاد خجلاً فقال لها :

_ نادية تزوجت منذ عامين و انفصلت عن زوجها لأنها كانت تحب شخصاً قبله ؛ كان زميلها بالجامعة لكن عمي لم يبارك الزيجة لأنه كان فقيراً فتركته و رضخت لأمر عمي ، و بعد انفصالها تقدم لها زميلها مرة آخرى خاصةً بعدما نجح بمشروعه الصغير فأتت لتأخذ برأيي خاصة لأنها تعتبرني مثل أخيها بالضبط .

ابتسمت نهاد و ارتاح بالها فقال لها :

_ ما رأيك بأن نتزوج بأقرب وقت ممكن ؟

ابتسمت ثم سرعان ما خطرت ببالها فكرة مجنونة فقالت له :

_ ما رأيك بفكرة .....

بعدها بإسبوعين ....

على أنغام الموسيقى و الصوت الهاديء الحنون الصادر بأرجاء القاعة احتضن سيف نهاد زوجته بحنان يتراقصون على هذه الأنغام الجميلة ، و بجانبهم رقص حسام برفقة نسرين بينما محمد برفقة ريم .

كانت السعادة على وجوه الجميع فقال سيف لنهاد :

_ هل أنتِ سعيدة ؟

_ بالطبع يا حبيبي . و أنت ؟ هل أعجبك الزواج الجماعي ؟

_ نعم ؛ أرى السعادة على وجوه الجميع ، فما أجمل أن يشاركنا الجميع فرحتنا .

ابتسمت نهاد و رمت برأسها فوق كتف زوجها فاحتضنها و قال لها بعد برهة :

_ أتعلمين ماذا أريد الآن ؟

_ ماذا ؟

_ أحب أشرب شاي ...

ضحكت نهاد فبادلها زوجها الضحك فنظرت إليها نسرين سعيدة لسعادة أختها ، و نظرت إليهم ريم فأطلقت لهم غمزة بعينيها فبادلاها تلك الغمزة بسعادة عامرة ....

تمت بحد الله .

تحب تشرب شاي ؟ ج12

وصلت نهاد إلى إحدى قاعات ذلك الفندق الشهير حيث كان موعد العشاءبرفقة سيف ملفتة أنظار العديد من الحضور إليها ممن اجتمعوا برفقة عائلاتهم أو لعقد اتفاقيات عمل جديدة مثل حالها . و بعد جلوسها إلى تلك الطاولة التي تقع بمنتصف القاعة و أمام حلبة الرقص و الموسيقى بدأت تتطلع حولها و لم يفت عليها إعجاب العديد من الفتيات بسيف و همساتهم عليه حيث كان يرتدي بزة سوداء محتفظاً بربطة عنقه الأنيقة و اعتداده بنفسه الذي اعتادت عليه ، و يبدو أن جدية العمل و مناقشاته قد زادت من وسامته ، ولم تعرف نهاد ماذا جرى لها ؟ فهي لا تستطيع التركيز بالاجتماع سوى نادراً و لا تعرف هل يرجع ذلك لأصوات الموسيقى الصاخبة ؟ أم لملاحظتها نظرات من حولها ؟ أم لقلقها على نفسها الناتج عن حيرتها .. نعم فهي حائرة لا تدري لماذا يسيطر على تفكيرها ؟ لماذا تهتم بأدق تفاصيله ؟ لماذا تغار عليه ؟ يا إلهي هل تحبه ؟ بالطبع ستكون حمقاء إذا فكرت في ذلك فهي تعلم أنه لا يهتم بها و تعلم جيداً أنه سيتزوج من إبنة عمه نادية الشربيني تلك الفتاة الجميلة التي زارته بمكتبه منذ أيام قليلة فزادت الأقاويل و الإشاعات من حقيقة انفصالها عن زوجها السابق لتتزوج سيف الذي تربطها به قصة حب قديمة ، أفاقت نهاد من شرودها على صوت سيف العميق يطلب منها بعض الأوراق لإنهاء الاتفاق الذي يعقده مع مستر هاملتون بشأن فتح فروع جديدة للشركة بأوروبا و لم يفت عليها نظرته التي تلومها على شرودها باجتماع هام هكذا فقررت أن تركز أفكارها على عملها و تتناسى تلك الأفكار الشاردة التي تذهب بها لعالم آخر و تكشف أمرها ، لذلك فقد بدأت توزع ابتساماتها بين مستر هاملتون و زوجته متحدثة بلباقة مساركة بفعالية في ذلك اللقاء الجاد ؛ و بآخر السهرة عند انتهاء موعد العمل كان الجميع راضياً بذلك العقد الذي يفتح أفاقاً جديدة للشركة و الذي أرضى جميع الأطراف بصورة متعادلة . سعدت نهاد لذلك كثيراً و بدأت تستمتع بوقتها بمشاهدة حلبة الرقص و الاستماع لمقطوعة موسيقية هادئة ثم لاحظت فجأة نظرات أحد العاملين بالفندق إليها فتعجبت من نظراته التي كانت مزيجاً من الشزر و العتاب و كأنه يعرفها من قبل ثم أفاقت من شرودها على صوت مستر هاملتون يستأذن هو وزوجته ليخلدا إلى النوم فودعتهم بابتسامة هادئة متمنية لهم ليلة سعيدة و نوماً هنيئاً ، ثم انصرفت برفقة سيف خارج الفندق و كانت الساعة لم تتجاوز العاشرة بعد فطلب منها سيف أن يتمشيا معاً بحديقة الفندق قليلاً ليحادثها بأمر ما فوافقت متسائلة في نفسها ترى فيم يريدها ؟و بدأت تسير بهدوء مستمتعة بالليل الهاديء و قمره المنير الذي عكس ضؤه على الأشجار و الخضرة الرائعة التي تبعث الراحة بنفسها و تضفي جوا ساحراً من الرومانسية بليلتها كما لو كانت بطلة لإحدى الروايات و قطع سيف الصمت قائلاً :

" أنتِ رائعة الليلة ؛ لم أر ابتسامتك هذه من قبل إلا نادراً . ابتسمي دائماً فهي تنير وجهك . "

احمرت خجلاً و قالت له :

" أشكرك . "

ضحك لها ثم قال مداعباً إياها :

" يبدو أن جمالك لم يمارس سحره على مستر هاملتون فقط بل على كل الحضور ؛ لقد التفتت إليكِ أنظار عدة تلك الليلة . "

تعجبت نهاد من إسلوبه في الحديث و تعجبت أكثر من ملاحظته لشيء كهذا في ليلة هامة تعج بأعماله فلم تجبه و اكتفت بابتسامة هادئة فقط فصمت قليلاً ثم قال :

" هل تقبلين الزواج بي يا نهاد ؟ "

توقفت نهاد عن السير و نظرت له مسدوهة لا تعرف بم تجيبه ؟ ثم سرعان ما حاولت أن تحتفظ برباطة جأشها فقالت له :

" ماذا ؟ "

" أريد أن أعرف جوابك حالاً يا نهاد . "

لم تعرف نهاد ماذا تقول فبالطبع هو ليس أول رجل يطلب منها طلباً كهذا لكنها لا تعرف كيف تجيبه ؟ هل تسأله عن مشاعره ؟ نعم فهو لم يخبرها بمشاعر حب دفينة تؤرقه مثل التي تؤرقها ، و لم يتحدث عن سبب رغبته بذلك ربما هو أعجب بها و ربما يراها فتاة مناسبة للزواج فأراد الارتباط بها ؛ لكن أيعقل هذا ؟ أيعقل أنه يريدها كزوجة فقط لأنها مناسبة ؟ و لم لا ؟ ألم يطلب محمد من أختها نفس الطلب دون أن يحبها ثم سرعان ما طلب نفس الطلب من صديقتها ريم لأنه أحبها من أول نظرة حب صادق ؟ أسئلة كثيرة دارت بخلدها و قيبل أن تسأله عن سبب رغبته في الزواج بها سمعت أصوات خطوات تقترب منهما فنظرت تجاه الصوت لتجد نفس العامل الذي كان ينظر إليها بالداخل منذ قليل يخبر سيف بتلقيه مكالمة من أحد أفراد أسرته بغرفة الاستقبال فاستأذنها سيف لينصرف بينما ظل العامل واقفاً يتطلع إليها فتعجبت أكثر ثم وجدته يقول :

" لا أصدق نفسي .. أنا .. ياسر .. خدعت الكثير بإسم الحب تأتي أنتِ الفتاة الوحيدة التي أحببتها بصدق تخدعينني ببراءتك و رقتك ، كم أنا نادم لمعرفتي فتاة مثلك لا تقدرين الحب تتلاعبين بالجميع أراكِ منذ أيام قليلة بأحضان رجل ثم أراكِ اليوم برفقة رجل آخر ، كم أنا آسف لمعرفة فتاة رخيصة مثلك . "

ثم انصرف بعدما أشبعها من نظراته التي تحتقرها دون أن تخبره أنها ليست نسرين لكنها فوجئت بسيف يأتي من خلفها ينظر لها باحتقار هو الآخر ففهمت أنه لم يذهب للمكالمة إذا كان في حقاً مكالمة واردة له ؛ و انه سمع حديث ياسر لها و قبل أن تدافع عن نفسها سمعته يقول بغضب شديد :

" يبدو أنكِ تخدعين الكثيرين أيتها البريئة ، إنسي حديثي و طلبي يا آنسة نهاد و اعتبري نفسك مفصولة من عملك . " ثم انصرف هو الآخر .

لم تشعر نهاد بنفسها إلا حينما فتحت باب الشقة لتجد نسرين تجري إليها تحتضنها بقوة و فرحة كبيرة قائلة :

" لماذا تأخرتِ اليوم يا نهاد ؟ فأنا أنتظرك منذ وقت طويل لأخبرك بالخبر السعيد . "

" أي خبر يا نسرين ؟ "

" لقد عرف حسام بأمر ياسر و لم يغضب بل تفهم الموضوع الحمد لله و أخبرني أنه لن يحاسبني على أي شيء بالماضي قبل أن أعرفه خاصة بعدما أكدت له أنه أول حب يحياتي . "

ابتسمت نهاد و قالت :

" حقاً ؟ كم أنا سعيدة لأجلك يا نسرين . إنه حقاً خبر جميل . "

" انتظري فأنا لم أخبرك بعد بالخبر السعيد ، لقد حددنا موعد الزفاف بعد إسبوعين منذ الآن إن شاء الله و سنسافر لقضاء شهر العسل بباريس بإذن الله . "

فرحت نهاد رغم الألم الشديد الذي تشعر به فبعد فراقها لسيف ستفارقها أختها أيضاً مثلما سستزوج ريم لكنها ابتسمت لأختها و قالت :

" مبروك يا نسرين ، كم أنا سعيدة لكِ يا أختي العزيزة . "

نظرت نسرين إلى نهاد حينما تنبهت فجأة لصوتها الحزين و سألتها مستفسرة بقلق واضح :

" نهاد .. هل أنتِ بخير ، أشعر كأنك حزينة . "

" لا ؛ أنا بخير فقط مرهقة بعض الشيء بسبب تأخر موعد العشاء و أريد أن أنام . "

" إذن فلتذهبي لسريرك و ارتاحي يا حبيبتي . "

قبلت نهاد نسرين ثم دلفت إلى غرفتها فألقت بحقيبة يدها و قامت بخلع فستناها ثم ارتدت بجامتها القطنية ثم ألق بنفسها فوق سريرها تحتضن وسادتها بشدة و تطلق آهات شديدة بصوت خافت و تذرف دموعاً ساخنة تعبر عن مآساتها .

مرت الأيام ثقيلة على نهاد ؛ لم تشعر بمرارة في حياتها من قبل مثل تلك المرارة التي تشعر بها حالياً ، تشعر و كأنها مكسورة ضعيفة تريد أن تترك تلك الدنيا التي ظلمتها و حرمتها من حبيبها لخطأ لا ذنب لها فيه ، و كلما تتذكر نظرات سيف إليها آخر مرة رأته فيها كانت تشعر و كأن سكين حاد بصدرها يؤلمها ، و ما زاد من حزنها هو ذلك اليوم الذي حضرت فيه ريم لتسألها عم حدث لتترك عملها خاصةً بعدما عينها سيف سكرتيرة مؤقتاً حتي يتم تعيين آخرى من جديد ، و حينها تأكدت نهاد من حزم قراره و أنه نسيها تماماَ ، حاولت الإفلات من أسئلة ريم المتكررة لكنها لم تستطع خاصة أنها كانت لديها الرغبة بأن تحكي ما حدث من شدة آلامها و أحزانها و لم تجد سوى صديقتها المقربة رفيقة عمرها خاصة لأنها لا تستطيع إخبار نسرين حتى لا تشعر بالذنب في هذه الأيام السعيدة التي تحضر فيها لحفل زفافها .

وألحت ريم عليها لتخبر سيف بالحقيقة لكنها رفضت بشدة و قطعت منها وعداص بألا تخبره مؤكدة أنها أصبحت بخير و أن قصتها منتهية بالرغم من علمها بقرارة نفسها أنها ليست بخير ، و قررت نهاد أن تسافر بعيداً بعد زواج نسرين لقضاء بعض الوقت مع نفسها بعيداً عن العالم و الناس حتى تسترد قوتها و تصفي أفكارها الشائبة .

تطلعت الفتاة الجالسة خلف المكتب تتصفح أوراق عديدة إلى مصدر ذلك الصوت الأنثوي فرأت فتاة جميلة ترتدي نظارة شمسية سوداء فقالت لها :

" هل هناك موعد سابق ؟ "

" لا ؛ لكنني أريده بأمر هام . "

صمتت الفتاة قليلاً ثم سألتها :

" سأسأله أولاً ؛ ما إسمك ؟ "

" لن يعرفني من إسمي ، فقط أخبريه أنني أريده بأمر هام . "

وقفت السكرتيرة متجهة لغرفة مديرها متعجبة قائلة في نفسها سأخبره و القرار يعود له ، لا شأن لي بذلك ، ثم عادت إليها بعد قليل لتسمح لها بالدخول . دلفت الفتاة إلى غرفة سيف و خلعت نظارتها الشمسية فنظر إليها متعجباً شذراَ و قال :

" كيف تجرؤين على المجيء هنا ؟ إخرجي فوراً و إلا ...

و قبل أن يكمل جملته نظرت له نسرين و قالت :

" قبل أن تكمل حديثك أريدك أن تنظر إلى تلك الوحمة و تخبرني هل رأيتها من قبل بذراع نهاد ؟ "

تحب تشرب شاي ؟ ج11

" لقد أصبحتِ بخير تماماً ؛ فقد زالت الالتهابات عن اللثة و لن تشعري بألم بعد الآن بإذن الله . "

وقفت ريم من جلستها إثر قيام محمد من كرسيه و قالت له :

" أشكرك كثيراً يا دكتور محمد .. حقيقةً الفضل يعود لك بعد الله . "

و همت بالخروج لكنه استوقفها سريعاً قائلاً :

" أرجوكِ ؛ انتظري يا آنسة ريم ، فأنا أريد أن أحادثك بموضوعٍ هام و لن أستغرق من وقتك الكثير . "

تعجبت ريم من لهجته الجادة حيث اعتادت على إسلوبه الساخر المضحك طوال الوقت ثم جلست أمامه قائلة بهدوء :

" تفضل . "

" حقيقةً منذ اليوم الذي رأيتك فيه لأول مرة شعرت و كأنك هبة نزلت عليّ من السماء ؛ لا تتعجبي من حديثي ؛ فأنا لم أؤمن بالحب خاصة من النظرة الأولى في حياتي قط ؛ لكن بعد أن رأيتك أيقنت أنه موجود . "

احمرت ريم خجلاً و قلبها يرقص طرباً إثر كلمات محمد التي لمست فيها الصدق و الحب و قبل أن تتحدث استكمل حديثه قائلاً :

" اسمعيني جيداً ؛ أريد أن أحدد ميعاد لأتقدم لكِ رسمياً ؛ و صدقيني تلك المرة أريد الارتباط بكِ لأنني أحبك حقاً و أتمنى أن تبادليني نفس المشاعر . "

" تلك المرة ؟ "

ابتسم محمد و قال :

" سأخبرك بكل شيء ....... "

*************************************

" من فضلك .. أود مقابلة سيف الشربيني . "

تطلعت نهاد من فوق أوراقها إلى مصدر ذلك الصوت الأنثوي الناعم لتجد امرأة في بداية الثلاثينات من عمرها طويلة القامة ممشوقة القوام .. ينسدل شعرها الأسود اللامع ليلفح بشرتها السمراء الناعمة برقة و جمال ظاهر .. لها عينان سودوان تذوب في سحرهما فوق أنف دقيق و شفتان كرزتان .. لم تستطع نهاد إخفاء ضيقها اللا مبرر من هذه المرأة فقالت لها بجفاء :

" من حضرتك ؟ "

جلست المرأة في ثقة واضحة لتضع ساقاً فوق الآخرى و ردت بصوت متعالِ :

" نادية الشربيني .. إبنة عمه . "

دلفت نهاد إلى حجرة سيف الملحقة بحجرة مكتبها و إثر سماعه الإسم هب واقفاً و خرج ليرحب بإبنة عمه التي نظرت له بإشراق إثر ترحيبه الشديد بها ، ثم دلفا معاً إلى حجرة مكتبه في حين خرجت نهاد و أمارات الغضب ظاهرة على ملامحها حيث وجدت ريم أمامها و التي بادرتها قائلة :

" نهاد .. كيف حالك اليوم يا صديقتي العزيزة ؟ "

" بخير .. الحمد لله ؛ لماذا تأخرتِ اليوم ؟ "

" سأخبرك لاحقاً ؛ أخبريني أولاً من هذه المرأة الجميلة ؟ "

" إنها إبنة عم الأستاذ سيف . "

" يا إلـهي كم هي جميلة ! ؛ يبدو أنه يهتم لأمرها كثيراً . "

" ألن تخبريني سبب تأخرك ؟ "

ابتسمت ريم و قالت :

" لقد كنت عند محمد . "

ابتسمت نهاد بدورها و قالت بخبث :

" محمد ؟ أتقصدين دكتور محمد ؟ أم شخصاً غيره ؟ "

ردت ريم بابتسامة مشرقة :

" بالطبع تعلمين من أقصد أيتها اللئيمة . "

ضحكا معاً ثم سألتها نهاد بجدية :

" حقاً أخبريني كيف حدث هذا التغير ؟ "

" لقد تقدم إليّ لكن الأهم من ذلك هو اعترافه بمشاعره تجاهي ؛ لقد أكد لي حبه من أول نظرة و أن هذا هو السبب الحقيقي من رغبته في الزواج بي "

ابتسمت نهاد و قالت بهدوء :

" أعلم إلامَ ترمين بكلامك هذا ؟ صدقيني لم يشعر محمد تجاه نسرين بأي مشاعر من الحب ؛ فقط أراد أن يرتبط بها لمجرد أنها مناسبة و هذا ما أكدته لي مراراً و تكراراً نسرين بنفسها ، عموماً أتمنى لكِ الحب و السعادة من كل قلبي . "

" أشكرك يا نهاد .. عقبالك يا رب ؛ فالحب أجمل إحساس بالوجود أتمنى أن تعيشيه عما قريب . "

فكرت نهاد في نفسها و تساءلت ترى هل يمكن أن تجد من يبادلها مشاعر الحب و الحنان في يوم من الأيام ؟ ترى هل يخبيء لها القدر فتى أحلامها الذي باتت تحلم به ليالِ عدة ؟ و لم تعرف لمَ جالت صورة سيف بخاطرها عند هذه الفكرة ؟ تعجبت من نفسها ثم سرعان ما أذاحت الفكرة من رأسها حينما أفاقت من شرودها على صوت سيف عند باب الغرفة يوصل نادية بنفسه ؛ و حينها خرجت ريم مسرعة حتى لا يسألها عن سبب تأخرها ، و بعد أن رحلت نادية أيضاً نظر سيف إلى نسرين و سألها :

" هل أنتِ مشغولة غداً ؟ أعني هل أنتِ مقيدة بأية مواعيد ؟ "

" لا أبداً . "

" جيد ؛ فأنا أريد أن أتناول معكِ العشاء غداً . "

" ماذا ؟ "

" أعني برفقة جون هاملتون و زوجته .. عشاء عمل .. فأنتِ تعلمين مدى أهميتهم لفتح فرع جديد للشركة بنيويورك . "

" حسناً ؛ سأستعد غداً و أكون جاهزة عند الموعد بإذن الله . "

" بإذن الله . "

ثم دلف مرة آخرى إلى حجرته بعد أن ألقى عليها تلك النظرة المتأملة التي اعتادت عليها و اعتادت على أن تغوص بأعماق أسرارها ...

**********************************

تأملت نهاد نفسها بالمرآة بعد أن أنهت زينتها حين شعرت بالرضا التام عن مظهرها ، حيث كان ذلك الفستان الأسود الكريستالي يعكس نعومة بشرتها البيضاء و تألقها ؛ فستان طويل بدون أكمام حيث توجد شريطة وردية اللون من الستان الناعم عند الخصر لتقوم بتحديده بشكل جذاب له فتحة صغيرة عند الصدر حيث وضعت بعض اللآليء التي تزيد من جاذبيتها ، قامت برفع شعرها بدبوس لامع بحيث تنسدل أطرافه على عنقها ؛ لم تضع الكثير من الزينة إلا ذلك اللون الوردي الذي صبغت به شفتيها و ظل العين الذي حددت به عينيها مع بعض حمرة الخدود فظهرت و كأنها أميرة ذاهبة لحفلها الراقص لتلتقي بحبيها الفارس ....

الأحد، 20 يونيو 2010

ليلة شتاء باردة

ليلة شتاء باردة تقضيها في منزلك و بالأخص في غرفتك .. تقف أمام نافذتك .. تلك التي تطل على ذلك المنظر الكئيب الذي يعكس سكونك و ربما سكون كل ما يقع حولك .. ترى ليلاً مظلماً شديد السواد لا تميز فيه شيئاً سوى قطرات المطر التي تتساقط بغزارة و التي تشعر و كأنها دموع .. نعم .. ربما هي دموع تذرفها عيون المحبين .. أولئك من تنفطر قلوبهم من حرارة الشوق و ألم الفراق .. و ربما تنفطر عيونهم من البكاء سخطاً على غدر الحياة .. و ربما هي دموع من يسكنون السماء .. من يرون أحوالنا و يبكون أهوالنا .. لكن لا تفكر كثيراً .. فأنت في ليلة شتاء باردة ! تفيق من شرودك على الصوت الفيروزي يتصاعد من المذياع .. هل اتخذت الغابة مثلي منزلاً دون القصور ؟ .. هل تتبعت السواقي و تسلقت الصخور ؟ .. هل تحممت بعطرٍ ؟ .. و تنشفت بنورٍ ؟ .. و شربت الفجر خمراً في كؤوس من أثير ٍ ؟ .. و تشعر فجأة بوخزة البرد تتسلل إليك فيقشعر جسدك .. و ربما هي وخزة حزن تتسلل إلى قلبك فيرتعد ألماً .. تغلق النافذة بسرعة و تذهب إلى مخدعك تتطلب دفئاً لعل الدفء يدفعك إلى النوم .. لكنك لا تنام .. ترشف بعض قطرات ساخنة من قدح القهوة لعلك تشعر بحلاوة الدفء .. لكن أين تجد الدفء في قلب خاوي و مشاعر جافة في ليلة شتاء باردة ؟ ! تحاول أن تستجمع أفكارك المشتتة .. تلك التي تجمدت من البرد .. و ربما من التيه .. فأنت تائه مشتت .. بين ذلك الجو الحزين .. الذكريات المريرة .. البرد القارس .. الوحدة القاتلة .. الصمت الرهيب .. الخوف و الذعر .. و الضياع .. و تدور في تلك الدائرة لعلك تصل إلى حد .. لعلك تجد نهاية .. لكن كيف تجد نهاية لتلك الدائرة المفرغة و في ليلة شتاء باردة ؟ ! تتمدد فوق سريرك و تدثر بالعديد من الأغطية .. لعلك تشعر بالدفء فتنام .. و لكن تهاجمك الأفكار مرة آخرى .. تفكر فيما كان ؟ و كيف صار ؟ تهاجمك الذكريات .. و ربما هي ذكريات سنين مضت أو شهور انقضت و ربما هي ذكريات من أيام فقط .. تحاول الهروب لكنك لا تستطيع .. تدق ساعة الحائط لتخبرك بأنها الرابعة صباحاً .. و يتصاعد ذلك الصوت الخشن المتزن من المذياع بأخبار الرابعة بعد منتصف الليل .. لكنك ما زلت يقظاً .. تغمض عينيك لكن عبثاً أن يصل النوم إلى جفنيك .. فالنوم يجافيك .. و الغربة تقتلك .. و الوحدة تلازمك .. و الصمت يعذبك .. و لكن الذكريات ما زالت تهاجمك .. الحلو منها و المرير .. السعيد منها و الشقي .. تشعر كأنك في انتظار .. تنتظر شيئاً من المجهول .. ربما تحدث معجزة ما فتنتشلك من أحزانك .. لكن لا تأمل كثيراً .. فاليأس مازال معك .. صوته مازال يخبرك ... لا مستقبل .. و لا سعادة لك .. لكن لا تتعجب من أفكارك .. و لا تندهش من ذلك الأرق .. و لا تستغرب حالتك .. فأنت فقط في ليلة شتاء باردة !

الاثنين، 7 يونيو 2010

عذراً .. لن تتملكني

نعم لا زلت أذكرك .. نعم لا زالت تتردد في خاطري صورتك .. نعم ما زال قلبي معلقاً بقلبك .. نعم ما زلت الوحيد الذي استطاع أن يغزو قلبي و يعلمني أسرار العشق و الهوى .. نعم لن أنساك .. و لن أنسى أنك مررت يوماً بحياتي .. تركت بصمتك داخلي .. لكن أتعلم ؟ كانت بصمة ألم .. جرح و ندم تلك البصمة التي سأظل اتعلم منها طوال حياتي .. بصمة غدرك بمن أوفى .. بمن سهر الليالي يذرف الدمعَ يناجي القمر في هواك و يتمنى رضاك .. كنت الأمير الذي طرق باب أحلامي .. فباتت في حبك وردية جميلة .. و صارت بعدك سوداوية كئيبة .. غزوت قلبي بحبٍ أسير أعمى .. لم يجعلني أرى الصورة واضحةً .. صورة غامضة يشوبها الألم و الانكسار .. لكن اطمئن .. لن أعود مهما حاولت .. مهما بكيت و أمامي ركعت .. ربما لا يفرق وجودي معك .. ربما انت طائر لا تهوى الاستقرار .. لا تجيد فن الحب و الاعتراف .. لكنك أيضاً مسكين .. لن تعرف الحب و لن تتذوق طعم الأشواق .. لن تتملكني بذلك الحب الأعمى .. لن تغزو قلبي بأشعارك الساحرة .. و غموضك الأعوج فأنا حرة .. وُلدت حرة سأحيا و أموت حرة حتى و إن حكمت على قلبي بالعزلة و الانغلاق .. فلا تحاول .. و ارحل بعيداً لا أريدك و لا أريد أي أعذار .. لا أريد حبك و لا حتى تلك الأشعار .. اترك لي مكاني .. مملكتي .. عالمي الخاص و عَد إلى طريقك .. ذلك الذي سلكته من قبل طريق الدموع و الانهيار .. و عذراً لن تتملكني .. و عذراً لن أقبل أي أعذار ..

السبت، 29 مايو 2010

تحب تشرب شاي ؟ ج10

جلست نسرين بغرفة مكتبها تفكر في أحوالها و تلك الفرحة التي تعيشها ، لم تكن تحلم بمثل هذه السعادة في حياتها قط ، لقد وجدت أخيراً شريك حياتها من تهواه و يطمئنها ؛ من يشعرها بالأمان و الحنان ، و لم يكن يعكر صفو حياتها إلا ذلك الشعور بالذنب الذي دائماً ما يؤرقها ؛ كانت تشعر بالذنب من إخفائها حقيقة صلتها بياسر على حسام خاصةً بعدما سألها إذا كانت قد أحبت أحداً قبله ، وقتها ردت بسرعة نافية ذلك و هذا لأنها حقاً لم تشعر بالحب الحقيقي تجاه ياسر بل عاشت مشاعر الحب لأول مرة مع حسام ، لكن هذا لا يعني أن تخفي عليه ذلك ؛ نعم ستصارحه .. ستخبره ربما هو يريد أن يكون أول رجل بحياتها و حتى إن غضب من ذلك لا يهم ؛ فالمهم هو أن تزيل ذلك الشعور المؤرق لها .. أفاقت من شرودها فجأة على صوت حسام بجوارها يسألها عن عم حسين الساعي فردت عليه بسرعة : " لقد غاب اليوم ؛ إنه مريض . " " مريض ؟ ماذا به ؟ " " لا أعلم ؛ لقد أرسل إبنه ليخبرني بذلك و ليحصل على إجازة مرضية ، يبدو أن آلام الكبد عاودته مرة آخرى . " صمت حسام قليلاً ثم قال لها : " سأذهب إليه لأطمئن عليه ، أتأتين معي ؟ " نظرت له نسرين بإعجاب ظاهر و قالت : " بالتأكيد ؛ فأنا أكن له الحب و الاحترام . " ابتسم حسام و قال لها : " إذن هيا بنا . " جلست نسرين بجوار حسام على أريكة قديمة في حجرة صغيرة طلاء جدرانها تساقط من الرطوبة و من الفقر الشديد ؛ بآخر الغرفة تمدد عم حسين على سريره يشكر رئيس عمله و نسرين على مجيئهم إليه ليطمئنوا على أحواله داعياً لهم بالصحة و العافية طوال العمر و حينها رد عليه حسام قائلاً : " لا شكر على واجب يا عم حسين ، لا تقلق بشأن عملك .. ستحصل على مرتبك كاملاً و إذا احتجت أي شيء فقط أخبرني بذلك . " ردت نسرين مؤكدة كلام حسام قائلة : " نعم ؛ لا تقلق يا عم حسين فكل ما يهمنا أن تتعافى و تسترد صحتك لتعود لنا بالشركة عن قريب . " نظر لهم حسين نظرات امتنان و سعادة و صمت قليلاً ثم قال : " أشكرك جداً يا أستاذ حسام ، عقبال فرحتي بك و أنت عريس فأنت محترم و تستحق كل خير . " ثم نظر تجاه نسرين و قال : " و يبدو أنني سأفرح بك عما قريب مثل فرحتي بكِ يا نسرين بإذن الله . " فهم حسام على الفور ما يجول بخاطر حسين فنظر هو الآخر بخبث تجاه نسرين ليرى رد فعلها فتلاقت عيونهم و حينها توردت وجنتيها بشكل زاد من جمالها و براءتها ؛ ثم هب حسام واقفاً و قال : " سننصرف الآن يا عم حسين حتى لا تتأخر نسرين . " ثم نظر لنسرين و قال لها : " هيا بنا . " انصرفت نسرين برفقة حسام و عند هبوطهما درج المنزل قالت لحسام بحزن : " أتمنى أن يتعافى قريباً ؛ فأنا أحبه و أحترمه جداً يا حسام و يبدو أن علته ليست هينة . " و حينها كانا قد وصلا إلى باب المنزل من الخارج الذي يطل على حارة ضيقة مملوءة بأطفال يلعبون و يمزحون مع بعضهم البعض ؛ نظر حسام إليها برقة و أمسك يديها يربت عليهما قائلاً: " لا تقلقي يا حبيبتي ؛ سيكون بخير بإذن الله فأنا أعلم مدى معزتك له . " سعدت نسرين من لفظه حبيبتي و فجأة شعرت بضربة قوية على أيديهم فصرخت إثر تفاجؤها من ضربة الكرة القوية التي يلعب بها الأطفال و بينما عاتب حسام الأطفال و نظر ليطمئن عليها وجد نظرها مثبت في اتجاه آخر ؛ صدمت بشدة نسرين ليس بالطبع من ضربة الكرة فقط بل لرؤيتها ياسر بملابس قديمة و بمكان هكذا ؛ و بينما نظرت له بصدمة أخفض عينيه خجلاً منها و من نظراتها المتفاجئة . أفاقت على صوت حسام يسألها باهتمام : " نسرين .. هل أنتِ بخير ؟ " بكت نسرين بشدة في أحضان نهاد الدافئة ؛ لم تكن تعرف سبب بكاءها .. هل لصدمتها و اكتشافها بأنها كانت ضحية لعبة أساسها الغش و الخداع ؟ أم تبكي رثاءاً من حال ياسر الذي رسمت له صورة آخرى ؟ ذرفت دموعاً حارة ملؤها الندم و الحسرة على تلك الأيام التي قضتها في حب من لا يستحقها ؛ تلك الأيام التي قضتها في غش و خداع تحت إسم الحب الزائف ، ثم أفاقت على صوت نهاد الحنون قائلة لها : " لا تبكي يا نسرين ؛ فلتحمدي ربك أنكِ لم تقعي في غرامه و لا ضحية أغراضه الخسيسة . الله وحده يعلم لماذا كذب عليكِ و ماذا كان ينوي أن يفعل بكِ ؟ و لا تحزني لقد عوضك الله بمن هو أفضل منه . صدقيني ستكونين بخير . " مسحت نسرين دموعها و قالت بقوة : " نعم ؛ سأكون بخير بإذن الله . "

الأربعاء، 12 مايو 2010

تحب تشرب شاي ؟ ج9

تطلع ياسر إلى نسرين في افتنان و قال لها : " لقد أتيت اليوم لأخبرك شيئاً هاماً يا نسرين . " " حقاً ؟ أنا أيضاً أريد أن أحدثك في موضوع هام ؛ لكن أخبرني أولاً لماذا تريدني ؟ " قال لها بسرعة : " لا ؛ أخبريني أنتِ أولاً فيمَ تريدينني ؟ " خفق قلبها بسرعة و ابتلعت ريقها في صعوبة و قالت له : " ياسر .. أعتقد أن علاقتنا لابد أن تنتهي . " امتُقِع وجهه و قال لها مضطرباً : " لماذا تقولين ذلك ؟ و ماذا تعنين بذلك ؟ " تلعثمت قليلاً لكنها قررت في نفسها المضي قدماً مهما يحدث لأنه لا وقت للتراجع الآن لذا قالت : " أنا آسفة حقاً لإخباري لك ذلك ، لكن صدقني هذا أفضل لنا ؛ لقد حاولت لكنني وجدت الأمر صعباً ، أنت شاب ممتاز و تتمناك كل فتاة ، لكن لن أستطيع الاستمرار معك . " فكر بعمق ثم قال لها : " هل يمكنني معرفة السبب ؟ " تنهدت قليلاً ثم قالت : " أنا نفسي لا أعرف السبب . كل ما أعرفه هو أنني شعرت بالانجذاب نحوك حينما تحدثنا عبر الإنترنت ، لكن حينما رأيتك عرفت أنني كنت مخطئة ، شعرت أنك ليس ياسر الذي عرفته من قبل ، شعرت أنك شخص مختلف عنه ، و لا أعرف سر ذلك . أرجوك سامحني . " ابتسم في رقة و قال لها : " لا تعتذري و لا تطلبي السماح ؛ أنا أقدر مشاعرك تماماً كما أقدر مصارحتك لي بحقيقة تلك المشاعر . معكِ حق ربما هذا أفضل لكلينا ، لكن أريدك فقط أن تعرفي أنكِ أجمل فتاة رأتها عيني و أنكِ الوحيدة التي أحببتها بصدق في حياتي . " و قبل أن تنطق بكلمة قام مسرعاً و ابتعد دون أن يودعها حتى ، نظرت له بإشفاق و تكاد تنهمر الدموع من عينيها لكنها سيطرت على نفسها و تركت الكافيتريا في هدوء . و بعد يومين و قفت نسرين بجوار نهاد أمام خزانة الملابس لاقتناء فستان سهرة يلائم نسرين لتذهب به إلى الحفلة التي يقيمها حسام ، و بينما تبحث كل منهما في اتجاه تبادلا أطراف الحديث حيث سألت نهاد نسرين قائلة : " و الآن ماهو شعورك ؟ " " مرهقة جداً يا نهاد ؛ منذ الصباح و أنا أتابع العمل في منزل حسام ؛ منزله شاسع المساحة و الحفلة تحتاج مجهودات كثيرة أيضاً ، تابعت الزينة و المطبخ و أشرفت على إعادة ترتيب الأثاث بالمنزل بمساعدة العمال ثم اتصلت بالفرقة الموسيقية لتأكيد ميعاد وصولهم ، و حينما انتهيت من كل ذلك أتيت لأستعد . " ضحكت نهاد و قالت : " أليس هذا مجهودا إضافياً لستِ مطالبة به بما أنكِ تعملين سكرتيرة فقط ؟ " أجابت نسرين في خجل : " نعم .. أعلم ذلك ، إنه عمل زوجته لكنه ليس متزوجاً و لا أخت له و لا أم ، من سيساعده إذن ؟ " ابتسمت نهاد في هدوء و قالت : " نعم .. معكِ حق ، لكنني لم أكن أقصد ذلك حينما سألتك عن شعورك الآن ." ثم شهقت بسرعة ممسكة بيديها فستان طويل بلا أكمام ذهبي اللون من قماش الستان الناعم مطرز من الصدر بتطريز بسيط و له شال ذهبي مطرز هو الآخر ببساطة مثل التطريز الذي على الصدر و أرته لنسرين التي قالت في لهفة : " نعم .. هذا ما أبحث عنه ، يا الله كم هو جميل ! " ابتسمت نهاد و قالت لها : " نعم .. أعتقد أنه سيلائم جسدك تماماً مثل بشرتك . " التقطته نسرين من يديها و ذهبت لآخر الغرفة أمام المرآة تتطلع إليه كيف سيكون فوق جسدها ؟ و قالت لنهاد : " سأرتدي هذا . فلنكمل حديثنا ؛ ماذا كنتِ تقصدين إذن ؟ " " كنت أقصد ما هو شعورك الآن بعد ما تخلصتِ من ياسر ؟ هل أنت سعيدة لذلك القرار ؟ " تنهدت نسرين في ارتياح و قالت : " أحمد الله كثيراً أن الموضوع انتهى لذلك الحد لكنني لا أنكر أنني حزينة لأجله كثيراً . " هزت نهاد رأسها موافقة و قالت : " أنا أيضاً أشفق لحاله كثيراً ؛ لكن هذا أفضل لكليكما . لكنكِ لم تخبريني حتى الآن كيف عرف حسام بأمر محمد و أنه تقدم ليخطبك ؟ " " بالتأكيد من خلال محمد نفسه . " " أعلم ذلك جيدأً ، لكن لماذا يخبره محمد بذلك الأمر خاصةً و أنكِ رفضتِ طلبه ؟ ! " زفرت نسرين أنفاسها بقوة و قالت حائرة : " لا أعلم يا نهاد ؛ لم أفكر في الأمر . حقيقةً لم أجد الوقت الكافي لأفكر في ذلك الأمر ، انشغلت كثيراً طوال الأيام السابقة في عملي و تحضير الحفل بجانب ياسر . " " كان الله في عونك يا أختاه ، لكن هل اقتنع حسام بكلامك ؟ " " لا أعلم ؛ لقد أخبرته أنني لم أجد فرصة مناسبة لأخبره بذلك كما أنني رأيت الموضوع لا يستحق أن أذكره أمامه . أتمنى أن يكون قد اقتنع بكلامي لأن هذه حقاً الحقيقة . " ابتسمت نهاد قائلة : " حسناً .. سأتركك الآن لترتدي فستانك و تتأنقين . " قالت نسرين في حزن : " كنت أتمنى أن تأتي معي حتى أعرفك على حسام . " أجابت نهاد في حنان جارف قائلة : " لا تحزني ؛ أنتِ تعلمين مدى انشغالي هذه الفترة في عملي كما أن ريم ستذهب معك . " ثم أحاطتها بذراعيها تضمها برفق و تركتها في الغرفة متمنية لها سهرة سعيدة ..... تصاعدت أصوات الموسيقى النابعة من الفرقة الموسيقية في أرجاء منزل حسام حينما دلفت نسرين بجوار ريم إلى الحفل ، تواجد العديد من الحضور في أرجاء المنزل و كان يبدو الرضا على سمات الجميع من تحضير الحفل و أيضاً لعقد تلك الاتفاقية الهامة للشركة التي أسعدت الجميع . و بينما نظر الجميع في افتنان إلى تلك الفتاتين اللتين حضرتا فجأة كانت تبحث نسرين بين تلك العيون عن آسرها و حبيبها حسام . أفاقت نسرين من شرودها على صوت ريم تسألها : " نسرين .. أليس الذي يقف هناك هو الدكتور محمد ؟ " نظرت نسرين إلى المكان الذي أشارت إليه ريم برأسها فتسارعت دقات قلبها بسرعة ، كان يقف هناك حسام بجوار محمد كل منهما يرتدي حلة أنيقة للسهرة سوداء اللون و قبل أن تجيب نسرين على سؤال ريم وجدت الإثنان يتحركان تجاهما . ابتسم محمد إلى ريم و صافحها بينما ابتسمت نسرين إلى حسام الذي كان ينظر إليها في إعجاب ملحوظ و عرفته على ريم ، تصافح الجميع و قال محمد لنسرين : " الحفلة رائعة يا نسرين . لقد قمتِ بمجهود ملحوظ لا يمكن لأحد نكرانه . " شكرته نسرين حينما اقترب حسام منها قائلاً : " هل تسمحين لي بتلك الرقصة ؟ " وافقت نسرين على استحياء و سارت برفقته بينما ابتسم محمد لريم قائلاً لها : " كيف حالك ؟ " ردت ريم بابتسامة هادئة : " الحمد لله ؛ أنا بخير تماماً . " نظر إليها محمد و قال : " أنتِ رائعة . " إحمرت ريم خجلاً لأنها لم تعتد ذلك الغزل الصريح و قالت له : " أشكرك . " اقترب حسام من نسرين و ضمها إليه بحنان أشعرها كأنهما وحدهما في ذلك العالم فلم تشعر بوجود أحد حولهم و لا نظراتهم و همساتهم عليهما ، بدآ يتراقصان على أنغام الموسيقى دون أن ينبس أحدهما ببنت شفة و حينما توقفت الموسيقى اقترب منها حسام و همس في أذنيها قائلاً : " تعالي معي . " و قبل أن تسأل جذبها من يديها خلفه برفق فسارت معه دون اعتراض ، كانت تشعر كأنها تحت تأثير مخدر جميل و عرفت من مساره أنه يصحبها إلى شرفته ، و حينما و صلا رأت في عينيه أجمل نظرة و أرق إحساس شعرت بما في داخله دون أن يتكلم ، و أدرك هو أيضاً مشاعرها لخجلها الظاهر في إحمرار وجنتيها و تلك اللمعة البريئة التي تضيء عينيها . ظل ينظران لبعضهما البعض و أخيراً تحدث هو و قال لها : " أنتِ رائعة جداً الليلة . " ابتسمت له و قالت بخجل : " أشكرك . " توقف الحديث بينهما مرة آخرى فقالت له : " هل يمكنني أن أسألك سؤالا ؟ " " بالطبع ؛ تفضلي . " " كيف علمت بأمر محمد ؟ هل هو من أخبرك ؟ " نظر إلى عينيها نظرة عميقة كأنه يحاول أن يغوص داخل أسرارها و قال لها : " نعم .. برأيك من غيره يمكن أن يخبرني بذلك ؟ " " نعم .. معك حق ، لكنني تعجبت قليلاً من ذكره لك ذلك الأمر خاصةً و أنه موضوع منتهي . " " و لماذا لم تخبريني أنتِ ؟ " " لقد أخبرتك .. لقد رأيت الموضوع لا يستحق أن يُذكر كما أنني اعتقدت أنه لن يهمك كثيراً . " نظر لها بلوم و قال : " هل تعتقدين أنه لا يهمني حقاً ؟ " أرادت أن تجيبه لكنها لم تعرف ماذا تقول ؛ شيء ما بداخلها أشعرها أنه مختلف الليلة عن كل ليلة لذا فقد لاذت بالصمت ، و حينها قال لها : " لقد أخبرني أيضاً سبب رفضك له . " بدأت تشعر بالضيق من محمد و من أحاديثه فقالت له بغضب واضح : " و لماذا يخبرك بكل ذلك ؟ " زفر أنفاسه بقوة و قال لها : " لأنه شعر بما كان يتوجب عليكِ أن تشعري به . " انعقد لسانها و لم تعرف ماذا دهاها و حينها قال لها : " أنا أحبك . " تسارعت دقات قلبها بسرعة و لم تعرف ماذا تقول ؛ شعرت كأنها في حلم جميل لا تريد الاستيقاظ منه و حينها أمسك يديها برفق و قال لها : " لقد أحببتك من أول وهلة ؛ دائماً ما كنت أصارع إحساسي تجاهك و لم أتأكد من مشاعري إلا حينما رأيت محمد معك في المكتب حينها جُن جنوني و لم أعرف ماذا دهاني ، خفت أن يأخذك مني لأنني أعلم أنه محط إعجاب العديد من الفتيات . عاملتك بقسوة يومها لأنني كنت أغار عليكِ . " نظرت له في حنان جارف و قالت : " أنا أيضاً أحبك . لا تسألني متى لأنني ربما أحببتك قبل أن أراك . " احتضن يديها بقوة و قال بهمسه الرقيق : " يا حبيبتي . " قالت له بعتاب خفيف : " و لماذا لم تخبرني من قبل ؟ " قال لها ضاحكاً : " لم أكن واثقاً من مشاعرك تجاهي حتى ذلك اليوم الذي أخبرني محمد فيه أنك رفضتِ الارتباط به لأنكِ تريدين الارتباط بمن يختاره قلبك ، حينها شعرت أنكِ ربما تكنين لي مشاعر و أكد محمد إحساسي حينما قال لي أنه كان معجباً بكِ لاحترامك و شخصيتك الجذابة لكنكما لم تتبادلا الحب يوماً و أخبرني أنني مثل أخيه و أنه يريد الصالح لي دائماً و نصحني بالاعتراف بمشاعري لكِ إذا كنت أحبك حقاً . " ابتسمت و قالت : " أنا سعيدة الآن أكثر من أي وقت مضى ، كنت مغتاظة جداً من محمد أما الآن فلا ، بالعكس أنا ممتنة إليه كثيراً . " ضحك و قال لها : " أنا أيضا كنت شديد الغضب منه حتى ذلك اليوم الذي أخبرني فيه بذلك ، كما أعتقد أنه أخيراً وجد شريكة حياته لا لشخصيتها فقط بل لأنه أحبها من أول نظرة . " " حقاً ؟ هل تعرفها ؟ " " منذ الصباح الباكر يسألني إن كنت أعلم بحضورها أم لا ، و يخبرني برقتها و حبه لها من أول نظرة و أنها الوحيدة التي شعر تجاهها هكذا . " " يا الله ! كم أنا سعيدة لذلك ! " " أنا أيضاً سعيد لأجله خاصةً أنها صديقتك . " اندهشت نسرين و قالت له : " ماذا؟ صديقتي ؟ " و في ذلك الوقت كانت ريم برفقة محمد يحاول أن يتودد إليها بينما هي تظهر لامبالاة بالرغم من اهتمامها به منذ رأته لأول مرة ، قال لها : " هل ستحضرين الإسبوع القادم إلى العيادة ؟ " قالت له بفتور : " إن شاء الله . " قال لها بعد أن نفد صبره : " أرجو أن تأتي فأنا أريد التحدث إليكِ في أمر هام . " و قبل أن تسأله حضرت نسرين برفقة حسام و كانت السعادة تبدو على وجوههم ، نظرت نسرين إلى ريم ضاحكة حينما سألتها : " أين كنتِ ؟ لقد تأخرتِ عليّ . " ابتسمت نسرين و نظرت إلى محمد بخبث و قالت : " آسفة يا صديقتي .. أعلم أنني تأخرت لكن اعتقدت أنه ربما يقوم محمد بتسليتك حتى أعود ، سننصرف الآن ما رأيك ؟ " نظرت ريم إليها بتعجب لأنها لم تفهم شيئاً و قالت : " حسناً .. أنا أيضا أريد أن أنصرف الآن ؛ لقد تأخر الوقت . " تصافح الجميع و سارت الفتاتان برفق و بقلب كل منهما مشاعر جمة و خواطر عدة و فرحة غامرة ...

تحب تشرب شاي ؟ ج8

نظر محمد إلى فم ريم بحرص متفحصاً أسنانها بدقة حتى يعرف علتها ، و بعد فحص دقيق وضع القليل من سائل طبي له رائحة مميزة بواسطة فتلات دقيقة من القطن الطبي ؛ ثم نهض متجها إلى مكتبه قائلا ً لها : " تفضلي . " نهضت ريم بخفة و جلست على كرسي يقابل مكتبه بجوار نسرين التي سألته بدورها : " ماذا بها ؟ " نظر محمد إلى ريم برقة و قال لها : " أنتِ بخير ، لا تقلقي فقط بعض التهابات في اللثة أشعرتك بألم شديد لكنني وضعت لكِ مس للثة ليخفف الألم و سيزول عنكِ بعد قليل إن شاء الله . " نظرت نسرين إليه في تعجب لأنها من سألت السؤال و ليست ريم لكنها أزاحت الفكرة من رأسها قائلة له : " نشكرك كثيرا ، و آسفين على إزعاجك كثيراً . " رد عليها مبتسماً : " لا تقولين ذلك يا نسرين ، أنت تعلمين مكانتك عندي كما أنني كنت ما زلت مستيقظاً فأنا معتاد على مثل تلك الظروف . " و نظر إلى ريم قائلاً : " سأكتب لكِ بعض الأدوية و أراكِ الإسبوع القادم إن شاء الله . " ابتسمت ريم و قالت : " إن شاء الله . " ثم خرجت الفتاتان و ذهبت كلُ منهما إلى منزلها بعد ما شكرت ريم نسرين كثيرا على ذلك الموقف النبيل . ************************** سألت نهاد ريم في اليوم التالي عن صحتها فردت ريم قائلة : " الحمد لله أحسن بكثير ؛ يبدو أنه طبيب ممتاز . " " حقاً ؟ لا أعرفه ؛ لكن نسرين تثني عليه كثيراً و تقول أنه شخص ممتاز . " ابتسمت ريم و سألت نهاد : " منذ متى تعرفت عليه نسرين ؟ " " أعتقد منذ شهرين تقريباً . هل تعلمين أنه تقدم ليخطبها من قبل ؟ " تعجبت ريم لكنها أخفت ذلك و قالت : " لم تخبرني نسرين بذلك لكنني لاحظت أنه يعاملها معاملة لائقة ؛ يبدو أنه يحبها . " " لا ، لقد تقدم إليها فقط كفتاة مناسبة ؛ نسرين أخبرتني بأنه لا يحبها . " " و هل وافقت عليه ؟ " " لا؛ لقد رفضته لأنها لا تحبه تريد الارتباط بشخص تحبه . " انقطع حديث ريم مع نهاد حينما دلف سيف إلى غرفة نهاد الملحقة بغرفة مكتبه ، ابتسمت له ريم و خرجت من الغرفة بينما وقفت نهاد لتحضر له بعض الملفات و حينها نظر إليها كعادته نظرته العميقة و قال لها : " أريدك في غرفتي . " تساءلت نهاد في نفسها ترى لماذا يريدها ؟ و خافت قليلا من فكرة أنه يريدها لسبب شخصي ؛ فمنذ أول لقاء لهما هنا في الشركة أخبرها أنه يريدها في شيء هام لكنه حتى الآن لم يصرح بذلك ، جمعت الأوراق التي تريده أن يراها و دلفت إلى مكتبه بعد خبطات قليلة . نظر إليها و قال لها : " تفضلي . " جلست في هدوء حينما أمسك بالأوراق منها و نظرت إليه في ثقة قائلة : " هل هناك خطأ ما في العمل ؟ " " لا ، لا شيء . حقيقة أنتِ مجتهدة كثيرا في عملك لحد كبير مثلما أنتِ فائقة الجمال . " إحمرت خجلاً لإطرائه و ارتعدت قليلا خاصة حينما ذكرها ذلك بجملته الأولى لها في أول لقاء بينهما في الكافيه حينما امتدح جمالها و لكنها لم تستطع أن تنكر رنة التهكم التي يتحدث بها و قالت له : " إذن لمَ تريدني ؟ " " أخبرني والدي أنكِ تعملين هنا منذ مدة طويلة كما أنه يثني عليكِ .. على أخلاقك .. اجتهادك في عملك . " " نعم ، حقيقة والدك شخص أعتز به كثيرا و أعتبره بمثابة والدي ، لطالما يشجعني منذ بداية قدومي إلى الشركة و لذلك لم يجعلني أعمل في صف المرشدات و فضل أن أظل معه كسكرتيرة لأنه لم يأتمن أحد على شئون العمل سواي ، و هذا أعتز به كثيراً . " وقف سيف و استدار حول مكتبه و وقف أمامها ثم قال : " منذ قدومي إلى هنا و أنا أود سؤالك عن أمر هام لكنني عدلت عن رأيي و قررت تأجيل ذلك السؤال إلى فترة ما أحددها أنا بعد حدوث أشياء معينة و الآن قررت أن أسألك . " ابتلعت نهاد ريقها في صعوبة و قالت : " تفضل . " نظر إليها نظرة ثابتة ثاقبة و قال : " لماذا لم تأتي للقائي و تخلفتِ عن الموعد ؟ " نظرت نهاد إليه نظرة مشدوهة و لم تعرف بم تجيب فحينما مر أكثر من شهر على اشتغاله بالشركة و لم يسألها عن تخلفها عن الموعد اعتقدت أنه لم يتذكرها و نسي كل شيء لكن الآن وضح لها كل شيء فماذا تفعل ؟ تلاشت نظراته و قالت : " أي موعد ؟ " " نهاد .. أنا أعرف شخصيتك المستقلة التي لا تحب الكذب و تفضل الوضوح ؛ فلا تستخدمي ذلك الإسلوب معي . " قالت له بصوت منخفض : " أي إسلوب ؟ " " إسلوب المراوغة . " قالت له و عيناها تلمع كأن الفكرة هبطت إليها هدية من السماء و قالت له : " حقيقة حينما التقيت بك لأول مرة و دعوتك لشرب شاي كنت أعتقدك شخصاً آخر ، و لكنني تيقنت أنه ليس أنت فيما بعد لذلك لم أحضر مرة آخرى . " " شخصاً آخر ؟ من هو ؟ " تعجبت من سؤاله و لكنها أجابت : " حقيقة توفي والديّ منذ عامين ؛ و لم يبق لي أحد سوى أختي الوحيدة نسرين ؛ و ليس لدينا أقارب سوى شخص واحد من إحدى القرى التي كان يسافر إليها والديّ ؛ كان يزورنا حينما كنت صغيرة و حينما عرف بوفاة والديّ اتصل بنا يعلمنا بقدوم إبنه ليطمئن علينا و لأنه لا يوجد أحد معنا في المنزل سواي أنا و أختي قررت أن أقابله بالخارج في ذلك الكازينو و أخبرني بألوان ملابسه مثل الألوان التي كنت ترتديها و اتفقنا على جملة ليتعرف بها كل منا على الآخر و هي تحب تشرب شاي ؟ " نظر لها في تهكم و قال : " أين رأيتِ ذلك الفيلم المثير ؟ " نظرت له في حنق و قالت : " ألا تصدقني ؟ " " بالطبع ؛ هل يعقل كلامك ؟ أولا لماذا يرسل ذلك الرجل إبنه بدلا من مجيئه بنفسه ؟ ثانيا لماذا يفكر في المجيء أصلا بعد مرور أكثر من عامين على وفاة والديك ؟! " ارتبكت قليلا ثم قالت له : " هو لا يستطيع أن يأتي لأنه مريض ، و رغبته في حضور إبنه الآن ليطمئن على أحوالنا لا ليقدم تعازيه . " نظر إليها متشككاً و قال : " حسناً ، لا بأس كنت أود فقط معرفة سر ظهورك المفاجيء و اختفاءك . يمكنك الآن أن تتفضلي . " خرجت نهاد و هي تزفر أنفاسها بقوة و تحمد الله على تلك الفكرة التي أتتها و نادمة بعض الشيء على كذبها لأنها لا تحب الكذب ، لكنها لم يكن بيدها حيلة آخرى .... دلفت نسرين إلى غرفة مكتب حسام مبتسمة و قالت له : " ما أخبار شركة الشروق ؟ هل نجحت الاتفاقية ؟ " ابتسم لها حسام قائلا : " نعم ، نجحت الحمد لله . " ابتسمت و قالت في فرحة : " أنا سعيدة لذلك جدا . " ابتسم لها و قال : " سأقيم حفلة بمنزلي احتفالا بتلك الاتفاقية . " " حقاً ؟ " " نعم ، وأود مساعدتك في ذلك هل تستطيعين ؟ " " بالطبع . فأنا أحب تنظيم الحفلات . " " إذن سأترك لكِ تلك المهمة ، و يمكنك دعوة من تحبين من عائلتك أو صديقاتك . " " أشكرك كثيراً . " خرجت نسرين و الفرحة تملأها لتلك الاتفاقية لأنها كانت تعلم مدى حرص حسام عليها من مدة و عندما أمسكت بمقبض الباب لتخرج قال لها منادياً : " نسرين .... " نظرت له مبتسمة و لكن ابتسامتها اختفت حينما سألها : " لماذا لم تخبريني أن محمد تقدم ليخطبك ؟ "