نظر محمد إلى فم ريم بحرص متفحصاً أسنانها بدقة حتى يعرف علتها ، و بعد فحص دقيق وضع القليل من سائل طبي له رائحة مميزة بواسطة فتلات دقيقة من القطن الطبي ؛ ثم نهض متجها إلى مكتبه قائلا ً لها :
" تفضلي . "
نهضت ريم بخفة و جلست على كرسي يقابل مكتبه بجوار نسرين التي سألته بدورها :
" ماذا بها ؟ "
نظر محمد إلى ريم برقة و قال لها :
" أنتِ بخير ، لا تقلقي فقط بعض التهابات في اللثة أشعرتك بألم شديد لكنني وضعت لكِ مس للثة ليخفف الألم و سيزول عنكِ بعد قليل إن شاء الله . "
نظرت نسرين إليه في تعجب لأنها من سألت السؤال و ليست ريم لكنها أزاحت الفكرة من رأسها قائلة له :
" نشكرك كثيرا ، و آسفين على إزعاجك كثيراً . "
رد عليها مبتسماً :
" لا تقولين ذلك يا نسرين ، أنت تعلمين مكانتك عندي كما أنني كنت ما زلت مستيقظاً فأنا معتاد على مثل تلك الظروف . "
و نظر إلى ريم قائلاً :
" سأكتب لكِ بعض الأدوية و أراكِ الإسبوع القادم إن شاء الله . "
ابتسمت ريم و قالت :
" إن شاء الله . "
ثم خرجت الفتاتان و ذهبت كلُ منهما إلى منزلها بعد ما شكرت ريم نسرين كثيرا على ذلك الموقف النبيل .
**************************
سألت نهاد ريم في اليوم التالي عن صحتها فردت ريم قائلة :
" الحمد لله أحسن بكثير ؛ يبدو أنه طبيب ممتاز . "
" حقاً ؟ لا أعرفه ؛ لكن نسرين تثني عليه كثيراً و تقول أنه شخص ممتاز . "
ابتسمت ريم و سألت نهاد :
" منذ متى تعرفت عليه نسرين ؟ "
" أعتقد منذ شهرين تقريباً . هل تعلمين أنه تقدم ليخطبها من قبل ؟ "
تعجبت ريم لكنها أخفت ذلك و قالت :
" لم تخبرني نسرين بذلك لكنني لاحظت أنه يعاملها معاملة لائقة ؛ يبدو أنه يحبها . "
" لا ، لقد تقدم إليها فقط كفتاة مناسبة ؛ نسرين أخبرتني بأنه لا يحبها . "
" و هل وافقت عليه ؟ "
" لا؛ لقد رفضته لأنها لا تحبه تريد الارتباط بشخص تحبه . "
انقطع حديث ريم مع نهاد حينما دلف سيف إلى غرفة نهاد الملحقة بغرفة مكتبه ، ابتسمت له ريم و خرجت من الغرفة بينما وقفت نهاد لتحضر له بعض الملفات و حينها نظر إليها كعادته نظرته العميقة و قال لها :
" أريدك في غرفتي . "
تساءلت نهاد في نفسها ترى لماذا يريدها ؟ و خافت قليلا من فكرة أنه يريدها لسبب شخصي ؛ فمنذ أول لقاء لهما هنا في الشركة أخبرها أنه يريدها في شيء هام لكنه حتى الآن لم يصرح بذلك ، جمعت الأوراق التي تريده أن يراها و دلفت إلى مكتبه بعد خبطات قليلة .
نظر إليها و قال لها :
" تفضلي . "
جلست في هدوء حينما أمسك بالأوراق منها و نظرت إليه في ثقة قائلة :
" هل هناك خطأ ما في العمل ؟ "
" لا ، لا شيء . حقيقة أنتِ مجتهدة كثيرا في عملك لحد كبير مثلما أنتِ فائقة الجمال . "
إحمرت خجلاً لإطرائه و ارتعدت قليلا خاصة حينما ذكرها ذلك بجملته الأولى لها في أول لقاء بينهما في الكافيه حينما امتدح جمالها و لكنها لم تستطع أن تنكر رنة التهكم التي يتحدث بها و قالت له :
" إذن لمَ تريدني ؟ "
" أخبرني والدي أنكِ تعملين هنا منذ مدة طويلة كما أنه يثني عليكِ .. على أخلاقك .. اجتهادك في عملك . "
" نعم ، حقيقة والدك شخص أعتز به كثيرا و أعتبره بمثابة والدي ، لطالما يشجعني منذ بداية قدومي إلى الشركة و لذلك لم يجعلني أعمل في صف المرشدات و فضل أن أظل معه كسكرتيرة لأنه لم يأتمن أحد على شئون العمل سواي ، و هذا أعتز به كثيراً . "
وقف سيف و استدار حول مكتبه و وقف أمامها ثم قال :
" منذ قدومي إلى هنا و أنا أود سؤالك عن أمر هام لكنني عدلت عن رأيي و قررت تأجيل ذلك السؤال إلى فترة ما أحددها أنا بعد حدوث أشياء معينة و الآن قررت أن أسألك . "
ابتلعت نهاد ريقها في صعوبة و قالت :
" تفضل . "
نظر إليها نظرة ثابتة ثاقبة و قال :
" لماذا لم تأتي للقائي و تخلفتِ عن الموعد ؟ "
نظرت نهاد إليه نظرة مشدوهة و لم تعرف بم تجيب فحينما مر أكثر من شهر على اشتغاله بالشركة و لم يسألها عن تخلفها عن الموعد اعتقدت أنه لم يتذكرها و نسي كل شيء لكن الآن وضح لها كل شيء فماذا تفعل ؟ تلاشت نظراته و قالت :
" أي موعد ؟ "
" نهاد .. أنا أعرف شخصيتك المستقلة التي لا تحب الكذب و تفضل الوضوح ؛ فلا تستخدمي ذلك الإسلوب معي . "
قالت له بصوت منخفض :
" أي إسلوب ؟ "
" إسلوب المراوغة . "
قالت له و عيناها تلمع كأن الفكرة هبطت إليها هدية من السماء و قالت له :
" حقيقة حينما التقيت بك لأول مرة و دعوتك لشرب شاي كنت أعتقدك شخصاً آخر ، و لكنني تيقنت أنه ليس أنت فيما بعد لذلك لم أحضر مرة آخرى . "
" شخصاً آخر ؟ من هو ؟ "
تعجبت من سؤاله و لكنها أجابت :
" حقيقة توفي والديّ منذ عامين ؛ و لم يبق لي أحد سوى أختي الوحيدة نسرين ؛ و ليس لدينا أقارب سوى شخص واحد من إحدى القرى التي كان يسافر إليها والديّ ؛ كان يزورنا حينما كنت صغيرة و حينما عرف بوفاة والديّ اتصل بنا يعلمنا بقدوم إبنه ليطمئن علينا و لأنه لا يوجد أحد معنا في المنزل سواي أنا و أختي قررت أن أقابله بالخارج في ذلك الكازينو و أخبرني بألوان ملابسه مثل الألوان التي كنت ترتديها و اتفقنا على جملة ليتعرف بها كل منا على الآخر و هي تحب تشرب شاي ؟ "
نظر لها في تهكم و قال :
" أين رأيتِ ذلك الفيلم المثير ؟ "
نظرت له في حنق و قالت :
" ألا تصدقني ؟ "
" بالطبع ؛ هل يعقل كلامك ؟ أولا لماذا يرسل ذلك الرجل إبنه بدلا من مجيئه بنفسه ؟ ثانيا لماذا يفكر في المجيء أصلا بعد مرور أكثر من عامين على وفاة والديك ؟! "
ارتبكت قليلا ثم قالت له :
" هو لا يستطيع أن يأتي لأنه مريض ، و رغبته في حضور إبنه الآن ليطمئن على أحوالنا لا ليقدم تعازيه . "
نظر إليها متشككاً و قال :
" حسناً ، لا بأس كنت أود فقط معرفة سر ظهورك المفاجيء و اختفاءك . يمكنك الآن أن تتفضلي . "
خرجت نهاد و هي تزفر أنفاسها بقوة و تحمد الله على تلك الفكرة التي أتتها و نادمة بعض الشيء على كذبها لأنها لا تحب الكذب ، لكنها لم يكن بيدها حيلة آخرى ....
دلفت نسرين إلى غرفة مكتب حسام مبتسمة و قالت له :
" ما أخبار شركة الشروق ؟ هل نجحت الاتفاقية ؟ "
ابتسم لها حسام قائلا :
" نعم ، نجحت الحمد لله . "
ابتسمت و قالت في فرحة :
" أنا سعيدة لذلك جدا . "
ابتسم لها و قال :
" سأقيم حفلة بمنزلي احتفالا بتلك الاتفاقية . "
" حقاً ؟ "
" نعم ، وأود مساعدتك في ذلك هل تستطيعين ؟ "
" بالطبع . فأنا أحب تنظيم الحفلات . "
" إذن سأترك لكِ تلك المهمة ، و يمكنك دعوة من تحبين من عائلتك أو صديقاتك . "
" أشكرك كثيراً . "
خرجت نسرين و الفرحة تملأها لتلك الاتفاقية لأنها كانت تعلم مدى حرص حسام عليها من مدة و عندما أمسكت بمقبض الباب لتخرج قال لها منادياً :
" نسرين .... "
نظرت له مبتسمة و لكن ابتسامتها اختفت حينما سألها :
" لماذا لم تخبريني أن محمد تقدم ليخطبك ؟ "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق