أنا قلم حر بين الأقلام ... أفكر فأكتب ... ربما تسمعون صرخاتي ... أو نحيب بكائي ... أو حتى قهقهة ضحكاتي ... المهم هو أن أجد صدى لكلماتي ... حتى أموت و أنا راضية عن حياتي ... حتى أكون قلماً حراً يعبر عن بلادي ...
الأربعاء، 21 أبريل 2010
تحب تشرب شاي ؟ ج1
" لا؛ لابد أنك تمزحين "
قالتها نهاد في شبه استغراب إلى أختها توأمها نسرين و التي ردت عليها قائلة :
" لماذا ؟ و ماذا في ذلك ؟ "
" ماذا في ذلك ؟! كيف تطلبين مني الذهاب لمقابلة شاب لا أعرفه و لم أقابله من قبل ؟ فإذا
تغاضينا عن أنه شاب و من الخطأ أن أقابله سواء بمفردي أو مع أحد فكيف نتغاضى عن أنني لا أعرفه و لا
أعرف حتى شكله ؟! "
ردت نسرين في محاولة يائسة لإقناع أختها نهاد التي تكبرها بخمس دقائق فقط قائلة :
" أنا أيضا لا أعرف شكله و كنت سأقابله "
" بالرغم من أن ذلك خطأ فأنت على الأقل تحدثت معه من قبل عن طريق الإنترنت و عرفت عنه أشياء ؛ طريقة تفكيره .... إسلوبه في الحديث .....و ما إلى ذلك "
" إذا قمت بالمقارنة ستجدين أنه لا فرق بينك و بيني أو بين هذا و ذاك "
" نعم ... أعلم ذلك ، و لكنني أيضا خائفة فهذا شيء جديد عليّ ؛ أنت تعلمين جيدا أن تلك هي المرة الأولى التي أقابل فيها رجلا أو شابا بمفردي كما أنني لا أجيد حتى الحديث معهم "
" لا تخافي كل ما عليك فعله هو الذهاب متأنقة _ على طريقتي و إسلوب ملابسي أنا طبعا _ تقابلين ذلك الرجل و تتحدثين معه بشكل لائق لطيف كأنك نسرين لا نهاد ، و هو كذلك ؟ "
ردت نهاد و هي شاردة بدون أدنى اقتناع :
" و هو كذلك ، و لكن كيف سأعرفه أو يعرفني إذا كان لم يرك من قبل مثلما تقولين ؟ "
" سيرتدي بنطلون جينز لونه بيج فاتح و قميص لونه أزرق زرقة السماء لبني تقريبا و حذاء و حزام جلد لونهم بني غامق ، و أنت سترتدين أي ملابس من عندي فلم نتفق سوى على ملابسه و ألوانها حتى يعرف بعضنا الآخر "
تنهدت نهاد بعمق قائلة :
" و هو كذلك "
و أردفت نسرين مسرعة و كأنها تذكرت شيئا هاما :
" لا تنسي السؤال الهام الذي ستقوليه أول اللقاء . "
تسائلت نهاد في دهشة :
" ما هذا السؤال ؟ "
" تحب تشرب شاي ؟ "
" ماذا ؟ "
ضحكت نسرين حينما رأت علامات التعجب على وجه نهاد و قالت :
" نعم ؛ حينما ترينه بتلك الملابس عليك أن تذهبي إليه و تقولين ذلك السؤال و حينها سيعرف أنه أنت نسرين "
" حسنا ؛سأذهب لأجلك أنت فقط "
قبلتها نسرين بسرور ؛ و بالفعل ذهبت نهاد إلى المكان المقصود _ كافيه سهر الليالي _ الذي يطل على نهر النيل بعدما اختارت ما يلائم زوقها من ملابس أختها نسرين .
اختارت نهاد مائدة تواجه الباب الأمامي للكافيه حتى ترى كل الأشخاص و الوجوه التي تدخل إلى الكافيه ، و حينما جلست بدأت تبحث عن ذلك الرجل المجهول الذي جذب أختها نسرين و لكنها لم تجد أحد يرتدي ملابس بيج و زرقاء اللون . لماذا تأخر هذا ال ........ ؟ يا إلهي لقد تذكرت شيئا هاما ..... إنها لا تعرف حتى إسمه ! كيف لها أن تنسى أن تسأل نسرين على إسمه ؟! و لكن هل كانت تعمل متنبئة أو كانت تنجم فكيف كانت ستعرف أنها ستقابله في يوم من الأيام ؟ و هنا بدأت تسترجع بعض الذكريات ......
إن نسرين هي أختها الوحيدة و التي تبقت لها في هذا الوجود ، فمنذ حوالي ثلاثة أعوام توفي والدهما و والدتهما و كان ذلك بعد تخرجهم بشهور حيث كان الوالد و الوالدة يذهبان في سيارتهما إلى الإسكندرية حينما قاما بحادث و توفي الاثنان ، صدمت الفتاتان لدى سماعهم هذا الخبر فهم لا يملكون خال أو عم أو أي أقارب، و قرر الإثنان الاعتماد على أنفسهم في هذه الحياة . و في الحقيقة كانتا محظوظتين حيث ترك لهم الوالد أموالا لا بأس بها في البنك ؛ كما أنهم كانوا حديثي التخرج و يمكنهم العمل في أي مكان ؛ و بالفعل تقدمت نهاد للعمل في إحدى شركات السياحة كمرشدة سياحية و تم قبولها ؛ و ساعدها على ذلك جمالها الفتان و لباقتها في الحديث و إتقانها للغتين الإنجليزية و الفرنسية ؛ و كانت تتقاضى راتبا جيدا و تبذل في سبيله مجهودات كثيرة ؛و في تلك الفترة كانت نسرين ما زالت تجلس في البيت بدون عمل و بحثت عن عمل لم تجد مطلقا و كانت بالطبع تمل من تلك الحياة لأنها محبة للحياة و تفضل الانطلاق .
و من حوالي شهرين تغيرت نسرين تماما و كانت نهاد تشعر بذلك و حينما سألتها لم تخبرها نسرين بشيء متحججة بأنها استسلمت للأمر الواقع و أنها تقدمت للعمل بإحدى شركات الطيران كمضيفة جوية و من الممكن أن يتم قبولها و لكنها منتظرة أن يقوموا بتحديد ميعاد لمقابلتها أولا و اختبار لغتها و رؤية مظهرها . لم تقتنع نهاد بذلك الكلام لكنها لم تكن لحوحة و لم تلح على أختها حتى تخبرها الحقيقة خاصة أنها تعرف أن نسرين لا تخفي عنها شيئا و تخبرها دائما بكل شيء . و أمس كانت يبدو عليها إمارات الغضب و الضيق و حينما سألتها نهاد عن سبب ضيقها أخبرتها أنها كانت تتحدث مع شاب تعرفت عليه عن طريق الإنترنت و هو يعمل مهندس كمبيوتر بإحدى شركات الكمبيوتر ؛ أعجبت جدا بكلامه و طريقة تفكيره و أراد أن يقابلها و اعترضت في البداية لكنه ألح و أخبرها أنها إذا لم تقابله في تلك المرة لن يقابلها و لن يعرفها مطلقا ؛ فوافقت و أرادت هي الآخرى أن تتعرف عليه عن قرب و ترى شكله و تراه وجها لوجه و لن تخسر شيئا لأنها فقط ستقابله باحترامها ، لكن القدر أفسد جميع مخططاتها و جعلها مجبرة أن تخبر نهاد . لقد اتصلت بها الشركة التي تقدمت للعمل بها و حددت معها موعد لمقابلة مدير الشركة ، و كان الميعاد في نفس الوقت الذي حدده لها ذلك الشاب ليقابلها ؛ و هي حائرة إذا ذهبت للشركة ستخسره و من الممكن ألا تكسب وظيفتها ؛ و أيضا إذا ذهبت إليه من الممكن أن تفقد وظيفة لطالما حلمت بها و محتمل الا يعجبها أو ألا تكسبه فماذا تفعل ؟! هكذا أخبرت نهاد بكل شيء ؛ غضبت نهاد بالطبع في البداية من نسرين لأنها تصرفت خطأ و أيضا أخفت عليها أمرا من أمورها الشخصية و لكن حينما رأت الحزن في عينيها حزنت من أجلها و أرادت أن تساعدها لكنها لم تعرف كيف ؟
و هنا لمعت عينا نسرين و كأنها اكتشفت فكرة شيطانية ، و أخبرت نهاد بالفكرة .. بما أن الفتاتين توأمان و الشبه بينهم تام كأنهم أصل واحد و متطابقين تماما .. فمن الممكن أن تذهب نهاد لمقابلة الشاب و تذهب نسرين لمقابلة مدير الشركةو لن يلاحظ الشاب أي فرق إذا رأى نسرين الحقيقية فيما بعد ؛ لطالما حدثت مواقف طريفة بسبب ذلك الشبه الذي بينهما ؛ فوالدها و والدتها أنفسهم لم يستطيعا في يوم من الأيام أن يحدثوا فرقا بينهم أو يميزوهم من بعض لولا تلك الوحمة التي توجد على ذراع نسرين و لا توجد عند نهاد .
وافقت نهاد بعد إصرار محدثة نفسها أنه فعلا لا يوجد فرق بينها و بين نسرين شكلا و في الملامح ، و لكن يوجد اختلاف كبير في التفكير ؛ فبالرغم من أن نهاد أكبر من نسرين بخمس دقائق فقط لكن الفرق بينهم في التفكير كأنه سنوات ، و قالت نهاد في نفسها سأرى ذلك الرجل الذي استطاع أن يخطف قلب نسرين من كلامه فقط و ربما يكون شخص جيد و مناسب لعلها تستطيع أن تحكم عليه من أول مرة تراه فيها ؛ بالرغم من أنها ليست لديها أي خبرة في أي شيء من هذه العلاقات لكنها تعمل و تقابل ناس كثيرة كل يوم و تستطيع أن تحكم عليه لعلها تطمئن على أختها .
أفاقت نهاد من شرودها على أصوات خطوات تقترب ؛ نظرت إلى القادمين و لكن للأسف لم تجده بينهم ؛
نظرت إلى ساعتها فوجدت أنها تنتظره ساعة بأكملها و سيادته لم يشرف بعد ، اتصلت بنسرين على الهاتف الخلوي وجدته مغلقا طبعا لأنها الآن في الشركة تقابل مديرها للعمل ؛ اتصلت برقمه الذي أعطته لها نسرين وجدته هو الآخر مغلقا فقررت أن تمشي ؛ و بالفعل غادرت و هي غاضبة لأن أكثر شيء تكرهه في حياتها هو عدم مراعاة المواعيد و كادت أن تصطدم بشخص فحاولت أن تتفاداه و لا تصطدم به حينها التوى كاحلها و كادت أن تقع أرضا حينما وجدت يد قوية تمسكها من خصرها بقوة لكي لا تقع أرضا . اعتدلت في وقفتها تشكر ذلك الشخص و فوجئت برجل جذاب ؛ شعرت بنبضات قلبها تتسارع لدى رؤيته و لم تعرف ما دهاها ، لقد قابلت العديد من الرجال بحكم عملها لكنها لم تقابل يوما من يجذبها بذلك القدر،
و فجأة لفت نظرها شيئا هاما القميص الذي يرتديه لونه أزرق فاتح زرقة السماء أو لبني تقريبا و البنطلون لونه ... نعم بيج فاتح ...... و الحذاء و الحزام ....... يا إلهي لونهم بني ........ إنه هو ...... أفاقت من تأملها و شرودها على صوته العميق الحنون يسألها :
" هل أنت بخير ؟ هل تريدين بعض الماء أو الجلوس ؟ "
ردت بسرعة دون أدنى تفكير :
" تحب تشرب شاي ؟ "
نظر لها نظرة عميقة خاطفة تتفحصها من رأسها حتى أخمص قدميها متأملا الشعر الأسود الحريري الذي ينسدل على كتفيها في نعومة ؛ و الأنف المستقيم و الشفتان الكرزتان ؛ و الجسم النحيل المتناسق و الفستان الحريري الأزرق الذي يعكس زرقة عينيها الجذابتين ؛ و نظر لها في شبه تهكم و تعلو وجهه ابتسامة سخرية قائلا :
" نعم ...... أحب جدا "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق