تحب تشرب شاي ؟ ج1
" لا؛ لابد أنك تمزحين "
قالتها نهاد في شبه استغراب إلى أختها توأمها نسرين و التي ردت عليها قائلة :
" لماذا ؟ و ماذا في ذلك ؟ "
" ماذا في ذلك ؟! كيف تطلبين مني الذهاب لمقابلة شاب لا أعرفه و لم أقابله من قبل ؟ فإذا
تغاضينا عن أنه شاب و من الخطأ أن أقابله سواء بمفردي أو مع أحد فكيف نتغاضى عن أنني لا أعرفه و لا
أعرف حتى شكله ؟! "
ردت نسرين في محاولة يائسة لإقناع أختها نهاد التي تكبرها بخمس دقائق فقط قائلة :
" أنا أيضا لا أعرف شكله و كنت سأقابله "
" بالرغم من أن ذلك خطأ فأنت على الأقل تحدثت معه من قبل عن طريق الإنترنت و عرفت عنه أشياء ؛ طريقة تفكيره .... إسلوبه في الحديث .....و ما إلى ذلك "
" إذا قمت بالمقارنة ستجدين أنه لا فرق بينك و بيني أو بين هذا و ذاك "
" نعم ... أعلم ذلك ، و لكنني أيضا خائفة فهذا شيء جديد عليّ ؛ أنت تعلمين جيدا أن تلك هي المرة الأولى التي أقابل فيها رجلا أو شابا بمفردي كما أنني لا أجيد حتى الحديث معهم "
" لا تخافي كل ما عليك فعله هو الذهاب متأنقة _ على طريقتي و إسلوب ملابسي أنا طبعا _ تقابلين ذلك الرجل و تتحدثين معه بشكل لائق لطيف كأنك نسرين لا نهاد ، و هو كذلك ؟ "
ردت نهاد و هي شاردة بدون أدنى اقتناع :
" و هو كذلك ، و لكن كيف سأعرفه أو يعرفني إذا كان لم يرك من قبل مثلما تقولين ؟ "
" سيرتدي بنطلون جينز لونه بيج فاتح و قميص لونه أزرق زرقة السماء لبني تقريبا و حذاء و حزام جلد لونهم بني غامق ، و أنت سترتدين أي ملابس من عندي فلم نتفق سوى على ملابسه و ألوانها حتى يعرف بعضنا الآخر "
تنهدت نهاد بعمق قائلة :
" و هو كذلك "
و أردفت نسرين مسرعة و كأنها تذكرت شيئا هاما :
" لا تنسي السؤال الهام الذي ستقوليه أول اللقاء . "
تسائلت نهاد في دهشة :
" ما هذا السؤال ؟ "
" تحب تشرب شاي ؟ "
" ماذا ؟ "
ضحكت نسرين حينما رأت علامات التعجب على وجه نهاد و قالت :
" نعم ؛ حينما ترينه بتلك الملابس عليك أن تذهبي إليه و تقولين ذلك السؤال و حينها سيعرف أنه أنت نسرين "
" حسنا ؛سأذهب لأجلك أنت فقط "
قبلتها نسرين بسرور ؛ و بالفعل ذهبت نهاد إلى المكان المقصود _ كافيه سهر الليالي _ الذي يطل على نهر النيل بعدما اختارت ما يلائم زوقها من ملابس أختها نسرين .
اختارت نهاد مائدة تواجه الباب الأمامي للكافيه حتى ترى كل الأشخاص و الوجوه التي تدخل إلى الكافيه ، و حينما جلست بدأت تبحث عن ذلك الرجل المجهول الذي جذب أختها نسرين و لكنها لم تجد أحد يرتدي ملابس بيج و زرقاء اللون . لماذا تأخر هذا ال ........ ؟ يا إلهي لقد تذكرت شيئا هاما ..... إنها لا تعرف حتى إسمه ! كيف لها أن تنسى أن تسأل نسرين على إسمه ؟! و لكن هل كانت تعمل متنبئة أو كانت تنجم فكيف كانت ستعرف أنها ستقابله في يوم من الأيام ؟ و هنا بدأت تسترجع بعض الذكريات ......
إن نسرين هي أختها الوحيدة و التي تبقت لها في هذا الوجود ، فمنذ حوالي ثلاثة أعوام توفي والدهما و والدتهما و كان ذلك بعد تخرجهم بشهور حيث كان الوالد و الوالدة يذهبان في سيارتهما إلى الإسكندرية حينما قاما بحادث و توفي الاثنان ، صدمت الفتاتان لدى سماعهم هذا الخبر فهم لا يملكون خال أو عم أو أي أقارب، و قرر الإثنان الاعتماد على أنفسهم في هذه الحياة . و في الحقيقة كانتا محظوظتين حيث ترك لهم الوالد أموالا لا بأس بها في البنك ؛ كما أنهم كانوا حديثي التخرج و يمكنهم العمل في أي مكان ؛ و بالفعل تقدمت نهاد للعمل في إحدى شركات السياحة كمرشدة سياحية و تم قبولها ؛ و ساعدها على ذلك جمالها الفتان و لباقتها في الحديث و إتقانها للغتين الإنجليزية و الفرنسية ؛ و كانت تتقاضى راتبا جيدا و تبذل في سبيله مجهودات كثيرة ؛و في تلك الفترة كانت نسرين ما زالت تجلس في البيت بدون عمل و بحثت عن عمل لم تجد مطلقا و كانت بالطبع تمل من تلك الحياة لأنها محبة للحياة و تفضل الانطلاق .
و من حوالي شهرين تغيرت نسرين تماما و كانت نهاد تشعر بذلك و حينما سألتها لم تخبرها نسرين بشيء متحججة بأنها استسلمت للأمر الواقع و أنها تقدمت للعمل بإحدى شركات الطيران كمضيفة جوية و من الممكن أن يتم قبولها و لكنها منتظرة أن يقوموا بتحديد ميعاد لمقابلتها أولا و اختبار لغتها و رؤية مظهرها . لم تقتنع نهاد بذلك الكلام لكنها لم تكن لحوحة و لم تلح على أختها حتى تخبرها الحقيقة خاصة أنها تعرف أن نسرين لا تخفي عنها شيئا و تخبرها دائما بكل شيء . و أمس كانت يبدو عليها إمارات الغضب و الضيق و حينما سألتها نهاد عن سبب ضيقها أخبرتها أنها كانت تتحدث مع شاب تعرفت عليه عن طريق الإنترنت و هو يعمل مهندس كمبيوتر بإحدى شركات الكمبيوتر ؛ أعجبت جدا بكلامه و طريقة تفكيره و أراد أن يقابلها و اعترضت في البداية لكنه ألح و أخبرها أنها إذا لم تقابله في تلك المرة لن يقابلها و لن يعرفها مطلقا ؛ فوافقت و أرادت هي الآخرى أن تتعرف عليه عن قرب و ترى شكله و تراه وجها لوجه و لن تخسر شيئا لأنها فقط ستقابله باحترامها ، لكن القدر أفسد جميع مخططاتها و جعلها مجبرة أن تخبر نهاد . لقد اتصلت بها الشركة التي تقدمت للعمل بها و حددت معها موعد لمقابلة مدير الشركة ، و كان الميعاد في نفس الوقت الذي حدده لها ذلك الشاب ليقابلها ؛ و هي حائرة إذا ذهبت للشركة ستخسره و من الممكن ألا تكسب وظيفتها ؛ و أيضا إذا ذهبت إليه من الممكن أن تفقد وظيفة لطالما حلمت بها و محتمل الا يعجبها أو ألا تكسبه فماذا تفعل ؟! هكذا أخبرت نهاد بكل شيء ؛ غضبت نهاد بالطبع في البداية من نسرين لأنها تصرفت خطأ و أيضا أخفت عليها أمرا من أمورها الشخصية و لكن حينما رأت الحزن في عينيها حزنت من أجلها و أرادت أن تساعدها لكنها لم تعرف كيف ؟
و هنا لمعت عينا نسرين و كأنها اكتشفت فكرة شيطانية ، و أخبرت نهاد بالفكرة .. بما أن الفتاتين توأمان و الشبه بينهم تام كأنهم أصل واحد و متطابقين تماما .. فمن الممكن أن تذهب نهاد لمقابلة الشاب و تذهب نسرين لمقابلة مدير الشركةو لن يلاحظ الشاب أي فرق إذا رأى نسرين الحقيقية فيما بعد ؛ لطالما حدثت مواقف طريفة بسبب ذلك الشبه الذي بينهما ؛ فوالدها و والدتها أنفسهم لم يستطيعا في يوم من الأيام أن يحدثوا فرقا بينهم أو يميزوهم من بعض لولا تلك الوحمة التي توجد على ذراع نسرين و لا توجد عند نهاد .
وافقت نهاد بعد إصرار محدثة نفسها أنه فعلا لا يوجد فرق بينها و بين نسرين شكلا و في الملامح ، و لكن يوجد اختلاف كبير في التفكير ؛ فبالرغم من أن نهاد أكبر من نسرين بخمس دقائق فقط لكن الفرق بينهم في التفكير كأنه سنوات ، و قالت نهاد في نفسها سأرى ذلك الرجل الذي استطاع أن يخطف قلب نسرين من كلامه فقط و ربما يكون شخص جيد و مناسب لعلها تستطيع أن تحكم عليه من أول مرة تراه فيها ؛ بالرغم من أنها ليست لديها أي خبرة في أي شيء من هذه العلاقات لكنها تعمل و تقابل ناس كثيرة كل يوم و تستطيع أن تحكم عليه لعلها تطمئن على أختها .
أفاقت نهاد من شرودها على أصوات خطوات تقترب ؛ نظرت إلى القادمين و لكن للأسف لم تجده بينهم ؛
نظرت إلى ساعتها فوجدت أنها تنتظره ساعة بأكملها و سيادته لم يشرف بعد ، اتصلت بنسرين على الهاتف الخلوي وجدته مغلقا طبعا لأنها الآن في الشركة تقابل مديرها للعمل ؛ اتصلت برقمه الذي أعطته لها نسرين وجدته هو الآخر مغلقا فقررت أن تمشي ؛ و بالفعل غادرت و هي غاضبة لأن أكثر شيء تكرهه في حياتها هو عدم مراعاة المواعيد و كادت أن تصطدم بشخص فحاولت أن تتفاداه و لا تصطدم به حينها التوى كاحلها و كادت أن تقع أرضا حينما وجدت يد قوية تمسكها من خصرها بقوة لكي لا تقع أرضا . اعتدلت في وقفتها تشكر ذلك الشخص و فوجئت برجل جذاب ؛ شعرت بنبضات قلبها تتسارع لدى رؤيته و لم تعرف ما دهاها ، لقد قابلت العديد من الرجال بحكم عملها لكنها لم تقابل يوما من يجذبها بذلك القدر،
و فجأة لفت نظرها شيئا هاما القميص الذي يرتديه لونه أزرق فاتح زرقة السماء أو لبني تقريبا و البنطلون لونه ... نعم بيج فاتح ...... و الحذاء و الحزام ....... يا إلهي لونهم بني ........ إنه هو ...... أفاقت من تأملها و شرودها على صوته العميق الحنون يسألها :
" هل أنت بخير ؟ هل تريدين بعض الماء أو الجلوس ؟ "
ردت بسرعة دون أدنى تفكير :
" تحب تشرب شاي ؟ "
نظر لها نظرة عميقة خاطفة تتفحصها من رأسها حتى أخمص قدميها متأملا الشعر الأسود الحريري الذي ينسدل على كتفيها في نعومة ؛ و الأنف المستقيم و الشفتان الكرزتان ؛ و الجسم النحيل المتناسق و الفستان الحريري الأزرق الذي يعكس زرقة عينيها الجذابتين ؛ و نظر لها في شبه تهكم و تعلو وجهه ابتسامة سخرية قائلا :
" نعم ...... أحب جدا "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق