الأربعاء، 28 أبريل 2010

تحب تشرب شاي ؟ ج3

جلست نسرين منهمكة في عملها بشدة تطالع بعض الأوراق و تكتب على جهاز الحاسب الآلي الذي أمامها بعض البيانات ، ثم التفتت فجأة إلى ساعة الحائط لتجد الساعة قاربت الخامسة و لم يأت مديرها بعد ، قلقت قليلا لأن هذه هي المرة الأولى التي يتاخر فيها عن موعد عمله ؛ فهو عادة يأخذ فترة راحة بعد الظهر حتى الساعة الثالثة و لكنه اليوم تأخر ساعتين كاملتين ! و تساءلت في نفسها ترى ماذا حدث له ؟ لعل المانع خير ؛ ربما يكون مريض ... مريض ؟ لا؛ ربما نام دون ضبط المنبه . و تعجبت من حالها .. لماذا هي قلقة عليه بهذا الشكل ؟ هل لأنه مديرها و يعاملها معاملة حسنة ؟ هل لأنها تراه شخص محترم حسن السمعة ليس كباقي المدراء الذين سمعت عنهم من زميلاتها ؟ و لكن كيف تعرف أنه محترم ؟ و لماذا تثق به بتلك السرعة ؟ لم تمض عليها فترة طويلة و هي تعمل معه فقط مجرد أيام قليلة ! أم أن هناك شعورا خفيا تكنه له ؟ لا ؛ إنها تهوى ياسر ، و حينما تذكرت ياسر تذكرت موعده الذي سبب ذلك الموقف المحرج الطريف الذي حدث ل ( نهاد ) ؛ و ابتسمت في نفسها و هي سعيدة ؛ فبالرغم من أنه موقف محرج إلا أنها تحمد الله على ذلك الموقف المحرج و تلك الصدفة السعيدة التي جعلت نهاد تلتقي برجل يجذبها إليه و لأول مرة في حياتها ؛ و ربما يغير ذلك الحدث حياة نهاد و يقلبها رأسا على عقب ؛ فلطالما تمنت نسرين أن تجد نهاد الشخص الذي يحبها و الذي يشدها إليه . و تساءلت في نفسها بتهكم هل وجدت هي ذلك الشخص ؟ هل هو ياسر حقا ؟ لقد قابلته منذ يومين بعدما شفي تماما من الحادث الذي تعرض له حيث كان بسيطا و لم يسبب له جروح بالغة ، و لكن حينما قابلته شعرت أن هناك شيئا ما ينقصها و ربما ينقصه ، فلم يكن مثلما كانت تتوقع ، ليس ياسر الذي جذبها بطريقة تفكيره و كلماته الرقيقة ، بالرغم من أنه وسيم لكنه ليس الشخص الذي رسمته في خيالها ، و شعرت أنها تسرعت حينما وافقت على مقابلته بل حينما سمحت لنفسها أن تعجب بشخص عن طريق النت معتقدة أن أهم شيء طريقة التفكير . و أفاقت من شرودها على صوت شخص ما يطرق باب غرفتها ، نظرت فوجدت رجلا متوسط الطول نحيل الجسد .. أشقر الشعر .. له عينان عسليتان شديدتا الروعة .. و عرفته على الفور إنه محمد ابن عم حسام مديرها و قال لها مبتسما : " هل يمكنني الدخول ؟ " انتبهت إلى شرودها و إلى أنها لم ترحب به بعد فقالت في ارتباك : " بالطبع .. فلتتفضل " تقدم بالقرب منها و قال : " هل حسام موجود ؟ " " في الحقيقة لا .. لم يأت بعد لكن أعتقد أنه على وصول " جلس فورا على الكرسي الذي أمام مكتبها و قال : " لماذا أنت واقفة هكذا ؟ اجلسي . " ابتسمت له و جلست متسائلة : " ماذا تود أن تشرب ؟ " " فنجان قهوة بدون سكر من فضلك . " ابتسمت له و هي تضغط على زر بجوار مكتبها و بعدها بثوان دخل إليهم رجلا في الخمسين من عمره قصير القامة و نحيل الجسد .. و تدل قسمات وجهه على طيبته الشديدة و قال لنسرين : " هل تودين شيئا يا بنيتي ؟ " " نعم يا عم حسين ؛ فنجانين قهوة بدون سكر من فضلك " نظرت نسرين إلى الرجل كبير السن الطيب حينما خرج في حنان و رضا لأنه يقول لها يا بنيتي .. فهي تحب أن تسمع تلك الكلمة خاصة بعدما حرمت منها ، ثم التفتت بنظرها مرة آخرى لجهاز الحاسب الآلي حينما وجدت محمد ينظر لها في افتنان ، ارتبكت قليلا و شعرت كأن وجنتيها أصبحتا شديدتا الإحمرار و أرادت أن تفتح معه أي موضوع لتكسر هذا الصمت و لكي لا يشعر بخجلها فسألته قائلة : " و لكنك لم تخبرني ماذا تعمل ؟ " " أنا طبيب أسنان و بلا فخر . " ابتسمت له حينما دخل عليهم عم حسين الساعي _ كما تعودت نسرين أن تدعوه _ و وضع القهوة أمامهم ثم خرج ، و بدأت نسرين تتناول قهوتها حين رأت محمد ينظر إلى يديها و يسألها : " هل أنت مرتبطة ؟ " فأجابت في خفر : " لا .. لست مرتبطة " نظر لها بعينيه العسليتين نظرة صامتة حينما لمحت بريقا لامعا في عينيه كأن ذلك الخبر أسرّه .. بادلته بابتسامة رقيقة لأنها تود أن تعامله بلطف لأنه إنسان لطيف كما أنه ابن عم مديرها ، و فجأة سمعا الاثنان أصوات خطوات تقترب منهما ، فرفعت نسرين رأسها إلى الباب لتجد حسام ، سعدت حينما رأته لأنها كانت قلقة عليه منذ قليل بسبب تأخره . و وقف محمد ليصافح يديه و حينها صافحه حسام ببرود ، و بدت عليه علامات الغضب و هذا أقلقها مرة آخرى و وجدته يقول لها في لهجة شبه آمرة : " أحضري ملف شركة ( الشروق ) حالا " " حسناً " دلف الرجلان إلى غرفة حسام الملحقة بغرفة السكرتارية ، و بدأت تبحث بسرعة عن الملف و حينما أمسكت به تذكرت أنها لم تنتهي منه بعد . و قررت الاعتذار له و أن تظل بعد انتهاء مواعيد العمل لتنهيه . طرقت الباب برفق قيل دخولها حينما قال بصوت مرتفع : " تفضل " دلفت إلى الحجرة و قالت معتذرة : " آسفة جدا .. لم أستطع إنهاءه اليوم ، سأظل بعد مواعيد العمل لكي ...... و قبل أن تكمل كلامها قاطعها في حدة قائلا : " ماذا ؟ و لماذا لم تنهه قبل ذلك ؟ هل عليّ أن انتظر سيادتك و أجعل العمل مؤخرا ؟! " تعجبت نسرين كثيرا من إسلوبه و تراجعت للخلف قليلا من شدة المفاجأة قائلة في ارتباك واضح : " آسفة جدا ، و لكن يمكنني أن أقوم به قبل ذهابي حتى لو أخرني كثيرا بعد مواعيد العمل الرسمية " " تفضلي يا آنسة .. قومي بعملك .. أريد إنهاءه اليوم . " خرجت نسرين بسرعة و جلست على كرسيها تبكي بحرقة و حينما أنهت بكاءها ، مسكت القلم و بدأت تعمل حتى تنهي ذلك الملف اللعين . جلست نسرين تقص لنهاد ما حدث معها اليوم في عملها متعجبة أكثر منها غاضبة ، فهو لم يعاملها بهذا الشكل من قبل و حينما وجد أنه يوجد لديهم عدد كبير من المضيفات قرر أن يعينها سكرتيرة خاصة له .. و ظلت تؤكد لنهاد شدة احترامه . ردت نهاد تطمئنها قائلة : " لقد قلت أنه جاء اليوم متأخرا و منذ دخوله و علامات الغضب تبدو عليه ؟ " " نعم . " " إذن لا تغضبي ، ربما كان غاضبا بسبب شيء ما في حياته الشخصية ، الله وحده أعلم بظروف الناس يا نسرين . " أطرقت نسرين برأسها تفكر في حديث أختها ، و شعرت ببعض الهدوء و الطمأنينة لحديث نهاد و ابتسمت قائلة : " معك حق الله أعلم بظروفه .. و لن أحكم عليه بالسوء لمجرد موقف واحد كما أنني لا أنكر خطأي . " ساد الصمت بينهما فترة ثم تساءلت نسرين فجأة : " نهاد .. لم تخبريني ماذا ستفعلين مع ذلك الرجل الغامض ؟ " تنهدت نهاد و قالت : " لا أعلم .. إنني حائرة ، و لكن يبدو أنني لن أذهب . " " لماذا ؟ " " ماذا سأقول له ؟ هل أخبره الحقيقة ؟ " " بالطبع لا .. سنتدبر أمر ذلك و نفكر ماذا ستخبريه فيما بعد . " " هل تقصدين أنني سأكذب عليه ؟ " " الكذب مقبول في بعض الحالات بشرط ألا يؤذي أحدا كما أنني أعتقد أنك معجبة به لا تنكري . " " في الحقيقة لقد جذبتني نظراته فقط ، و لكن لا يدعى هذا حبا و لا حتى إعجابا ، كما أنني لا أريد الحب فأنت تعلمين جيدا أنني لا أجيد تلك الأمور . " " صدقيني يا نهاد حينما تشعرين بالحب تجاه شخص ما ستأخذ الأمور مجراها الطبيعي ، ستجدين نفسك تجيدين معاملته و تحاولين إرضاؤه بشتى الطرق . فالحب لا يحتاج إلى دروس و لكن فقط يحتاج مشاعر صادقة و صراحة متبادلة . " " لا أعلم ماذا أفعل إن لم أذهب للقاءه سأشعر بخيبة أمل كبيرة و إن ذهبت لا أدري ماذا سأقول لأعتذر له . " " اسمعيني يا نهاد و أجيبيني بصراحة .. هل تودين الذهاب إليه في قرارة نفسك ؟ أم أن ذلك الأمر لا يهمك ؟ " شردت نهاد بفكرها و قالت : " أريد الذهاب فعلا .. هل تعرفين ذلك الشعور حينما تقتربين من أمواج البحر الهوجاء شيئا فشيئا ؛ شيئا ما يخبرك بخطورة ذلك و أنك ربما تموتين غرقا ، لكن هناك أيضا ما يجذبك للاقتراب . هل تفهمينني ؟ " " نعم أفهمك .. إذن تريدين الذهاب ؟ " أطرقت نهاد رأسها و أجابت في حياء : " نعم . " فرحت نسرين لذلك و ردت بلهفة : " إذن ستتأنقين .. و ترتدين أجمل فستان لديك و تذهبين ، و أثناء اللقاء تتعرفين إلى ذلك الرجل المجهول أكثر و تعرفيه بشكل أفضل .. ربما هو أيضا يبادلك الإعجاب ، و لا تبالي بأمر لقاءكم السابق ؛ سنتدبر أمر ذلك و لن تخسري شيئا . " شردت نهاد بفكرها و فكرت في أن كلام أختها صحيح و لن تخسر شيئا فعلا ، ستعتذر عن سوء التفاهم الذي حدث معهما من قبل بأي حجة و تعرفه أكثر ربما يبادلها نفس مشاعرها و ربما يكون هو فتى أحلامها . و قالت في صوت هاديء لنسرين كأنها اتخذت قرارها : " نسرين .. سأذهب للقاءه . " فرحت نسرين و تمنت من أعماق قلبها أن يكون شخص مناسب و يحبها بصدق و إخلاص و حينها تعالى صوت المذياع بصوت أم كلثوم الرائع " أغدا ألقاك ؟ "

ليست هناك تعليقات: